روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{۞أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ} (21)

{ أَوَ لَمْ يَسِيروُاْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } أي مآل حال الذين كذبوا الرسل عليهم السلام قبلهم كعاد . وثمود ، و { يَنظُرُواْ } مجزوم على أنه معطوف على { يَسِيرُواْ } ، وجوز أبو حيان كونه منصوباً في جواب النفي كما في قوله :

{ الم تُسْئَلُ } وتعقب بأنه لا يصح تقديره بأن لم يسيروا ينظروا . وأجيب بأن الاستفهام إنكاري وهو في معنى النفي فيكون جواب نفي النفي { مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } قدرة وتمكناً من التصرفات ، والضمير المنفصل تأكيد للمضير المتصل قبله ، وجوز كونه ضمير فصل ولا يتعين وقوعه بين معرفتين فقد أجاز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ } [ البروج : 13 ] نعم الأصل الأكثر فيه ذلك ، على أن أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه مضارع للمعرفة لفظاً في عدم دخول أل عليه ومعنى لأن المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معينة .

/ وجملة { كَانُواْ } الخ مستأنفة في جواب كيف صارت أمورهم . وقرأ ابن عامر { مّنكُمْ } بضمير الخطاب على الالتفات .

{ وَءاثَاراً فِى الأرض } عطف على قوة أي وأشد آثاراً في الأرض مثل القلاع المحكمة والمدائن الحصينة ، وقد حكى الله تعالى عن قوم منهم أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً .

وجوز كونه عطفاً على { أَشَدَّ } بتقدير محذوف أي وأكثر آثاراً فتشمل الآثار القوية وغيرها ، وهو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتد بها ، وقيل : المراد بهذه الآثار آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم وليس بشيء أصلاً { فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ } أي وليس لهم واق من الله تعالى يقيهم ويمنع عنهم عذابه تعالى أبداً ، فكان للاستمرار والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، ومن الثانية زائدة ومن الأولى متعلقة بواق ، وقدم الجار والمجرور للاهتمام والفاصلة لأن اسم الله تعالى قيل : لم يقع مقطعاً للفواصل . وجوز أن تكون من الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلاً من المتصف بصفات الكمال واق وأريد بذلك شركاؤهم ، وأن تكون ابتدائية تنبيهاً على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدىء من جهته سبحانه واقية لم يكن لهم باقية .