تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ} (21)

الآية 21 وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } هذا يخرّج على [ وجوه :

أحدها : ]{[18202]} ما قال الحسن : إنهم لو ساروا ، فنظروا في آثار من كان قبلهم من مكذّبي الرسل لكان لهم في ذلك زجر ومنع عن مثل صنيع أولئك .

[ والثاني : ما ]{[18203]} قال بعضهم : هو على الخبر ، أي لو ساروا في الأرض ، ونظروا في آثار من تقدّمهم ، لكنهم لم ينظروا نظر اعتبار أنه لماذا أصابهم ما أصابهم ؟ والله أعلم .

[ والثالث : ما ]{[18204]} قال قائلون : هو الإيجاب والإلزام ، أي سيروا في الأرض ، وانظروا في آثار أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء كقوله : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين } [ النمل : 69 ] .

ولكن نقول : ليس على حقيقة السير في الأرض بالأقدام ولا نظر العين والبصر ، ولكنه أمر منه لهم بالتفكر والاعتبار في آثار من كان قبلهم وإلى ماذا صارت عاقبة أمرهم{[18205]} من صنيع مكذّبي الرسل ومصدّقيهم ، لينزجروا عن مثل صنيع مكذبيهم ، ويرغبوا في مثل صنيع مصدّقيهم{[18206]} ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { كانوا هم أشد منهم قوة } في أبدانهم وأنفسهم { وآثارا في الأرض } أي أشد أعمالا في الأرض .

وليس كما يقول بعض المعتزلة ، أي إنهم كانوا أشد منهم قوة في الخيرات .

فإن كان ما ذكروا{[18207]} فذلك ليكون أصلح لهم . وهذا بعيد سَمج من القول . والوجه فيه ما ذكرنا أنهم كانوا أشد منهم قوة في أبدانهم وأنفسهم .

وقوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } يخبر أن أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء كانوا أشد من هؤلاء قوة وأشد آثارا في الأرض . ثم لم تمنعهم شدة قوتهم في أبدانهم وأنفسهم وما ذكر من آثار الأرض ، ولم يدفعوا عن أنفسهم ما نزل بهم من عذاب الله .

فأنتم يا أهل مكة دونهم في البطش والقوة ، فكيف تمنعون عذاب الله إذا نزل بكم ، والله أعلم أن أولئك قد عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم في الآخرة ، وتقرّبهم إلى الله زلفى كما تعبدون أنتم على رجاء الشفاعة لكم والتقرّب إليه ؟

ولو كانت عبادتهم إياها طريق الشفاعة وسبب التقرب لكان يغنيهم من عذاب الله في الدنيا . وهو كما ادّعت اليهود أنهم { أبناء الله وأحبّاؤه } فقال ردًّا عليهم بقوله : { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } [ المائدة : 18 ] أي في الدنيا لو كنتم على ما تزعمون ؟ إذ لا أحد يهلك ، ويعذب ولده وحبيبه في الدنيا . فعلى ذلك الأول .


[18202]:في الأصل وم: وجهين أحدهما.
[18203]:في الأصل وم: و.
[18204]:في الأصل وم: و.
[18205]:في الأصل وم: أمر.
[18206]:من م، في الأصل: مكذبهم.
[18207]:في الأصل وم: ذكر.