اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ} (21)

ولما بالغ في تخويفهم بأحوال أهل الآخرة أردفه بيان تخويفهم بأحوال أهل الدنيا فقال { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } والمعنى أن العاقل من اعتبر بغيره ، فإن الذين مَضَوْا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء الحاضرين من الكفار ، وأقوى آثاراً في الأرض أي حصونهم وقصورهم وعساكرهم ، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله عاجلاً حتى إن هؤلاء الجاحدين{[48071]} من الكفار شاهدوا تلك الآثار فحذرهم الله من مثل ذلك وقال { وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ } [ الرعد : 34 ] أي لما نزل العذاب بهم لم يجدوا مُعِيناً يخلصهم{[48072]} .

قوله «فَيَنْظُرُوا » يجوز أن يكون منصوباً في جواب الاستفهام ، وأن يكون مجزوماً نَسَقاً على ما قبله{[48073]} كقوله :

4331 أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرْكَ الرُّسُومُ *** . . . . . . . . . . . . . {[48074]}

رواه بعضهم بالجزم ، والنصب{[48075]} .

قوله «مِنْهُمْ قُوَّةً » قرأ ابن عامر «مِنْكُمْ » «على سبيل الالتفات{[48076]} ، وكذلك هو في مصاحفهم ، والباقون «منهم » بضمير الغيبة جرياً على ما سبق من الضمائر الغائبة .

قوله : «وَآثارا » عطف على «قوة » وهو في قوة قوله { وَتَنْحتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ{[48077]} } . وجعله الزمخشري منصوباً بمقدر ، قال : أو أراد أكثر آثاراً{[48078]} كقوله : «مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً{[48079]} » ( يعني وَمُعْتَقِلاً رُمْحاً ){[48080]} ولا حاجة إلى هذا مع الاستغناء عنه .


[48071]:في ب كذلك وفي الرازي الحاضرين.
[48072]:انظر الرازي 27/53 و52.
[48073]:قال ذلك ابن الأنباري في البيان 2/330.
[48074]:من شواهد إمام النحاة الخمسين وهو صدر بيت من تمام الوافر عجزه: على فرتاج والطلل القديم. وفرتاج: اسم موضع وشاهده: "فتخبرك" حيث يجوز فيها الجزم والنصب الجزم نسقا على ما قبله والنصب على تقدير أن بعد فاء السببية بعد طلب وهو لاستفهام. انظر الكتاب 3/34، والبحر 7/457 واللسان فرتج، والتبصرة للصيمري 402، والرد على النحاة لابن مضاء 117.
[48075]:في ب بالنصب والجزم.
[48076]:الإتحاف 378 والسبعة 569 والنشر 2/365 وهي متواترة.
[48077]:إن كان يقصد آية الشعراء 49 فهي "وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين" وإن كان يقصد آية الحجر 82 فهي {وكانوا ينحتون منن الجبال بيوتا آمنين} وإلا فقد لفق بين آيتين.
[48078]:الكشاف 3/422.
[48079]:سبق الكلام عليه.
[48080]:زيادة من الدر المصون 4/687.