{ قَالَ رَجُلاَن منَ الذين يَخَافُونَ } أي يخافون الله تعالى وبه قرىء ، والمراد رجلان من المتقين وهما كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد والسدي والربيع يوشع بن نون وكالب بن يوقنا ، وفي وصفهم بذلك تعريض بأن من عداهما من القوم لا يخافونه تعالى بل يخافون العدو ، وقيل : المراد بالرجلين ما ذكر ، و { من الذين يخافون } بنو إسرائيل ؛ والمراد يخافون العدو ، ومعنى كون الرجلين منهم أنهما منهم في النسب لا في الخوف ، وقيل : في الخوف أيضاً ، والمراد : أنهما لم يمنعهما الخوف عن قول الحق ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جبير أن الرجلين كانا من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى عليه السلام ، فعلى هذا يكون { الذين } عبارة عن الجبابرة ، والواو ضمير بني إسرائيل ، وعائد الموصول محذوف أي يخافونهم ، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير { يخافون } بضم الياء ، وجعلها الزمخشري شاهدة على أن الرجلين من الجبارين كأنه قيل : من المخوّفين أي يخافهم بنو إسرائيل ، وفيها احتمالان آخران : الأول : أن يكون من الإخافة ، ومعناه من الذين يخوّفون من الله تعالى بالتذكير والموعظة ؛ أو يخوّفهم وعيد الله تعالى بالعقاب ، والثاني : أن معنى { يخافون } يهابون ويوقرون ، ويرجع إليهم لفضلهم وخيرهم ؛ ومع هذين الاحتمالين لا ترجيح في هذه القراءة لكونهما من الجبارين ، وترجيح ذلك بقوله تعالى : { أنْعَمَ الله عَلَيْهمَا } أي بالإيمان والتثبيت غير ظاهر أيضاً لأنه صفة مشتركة بين يوشع وكالب وغيرهما ، وكونه إنما يليق أن يقال لمن أسلم من الكفار لا لمن هو مؤمن في حيز المنع ، والجملة صفة ثانية لرجلين أو اعتراض ، وقيل : حال بتقدير قد من ضمير { يخافون } أو من { رجلان } لتخصيصه بالصفة ، أو من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي قالا مخاطبين لهم ومشجعين .
{ ادخلوا عَلَيْهمُ الباب } أي باب مدينتهم وتقديم { عليها } عليه للاهتمام به لأن المقصود إنما هو دخول الباب وهم في بلدهم أي فاجئوهم وضاغطوهم في المضيق ولا تمهلوهم ليصحروا ويجدوا للحرب مجالاً { فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ } عليهم الباب { فَإنَّكُمْ غالبون } من غير حاجة ( إلى ) القتال فإنا قد رأيناهم وشاهدناهم أن قلوبهم ضعيفة وإن كانت أجسامهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم في المضايق فإنهم لا يقدرون على الكر والفر ، وقيل : إنما حكما بالغلبة لما علماها من جهة موسى عليه السلام ، و ( من ) قوله : { التي كتب الله لكم } [ المائدة : 21 ] ، وقيل : من جهة غلبة الظن ، وما تبينا من عادة الله تعالى في نصرة رسله ، وما عهدا من صنع الله تعالى لموسى عليه السلام في قهر أعدائه ، قيل : والأول : أنسب بتعليق الغلبة بالدخول .
{ وَعَلَى الله } تعالى خاصة { فَتَوَكَّلُواْ } بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها لا تؤثر من دون إذنه إن { كُنْتُمْ مُّؤْمنينَ } بالله تعالى ، والمراد بهذا الإلهاب والتهييج وإلا فإيمانهم محقق ، وقد يراد بالإيمان التصديق بالله تعالى وما يتبعه من التصديق بما وعده أي : إن كنتم مؤمنين به تعالى مصدقين لوعده فإن ذلك مما يوجب التوكل عليه حتماً . .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ } سوء عاقبة ملازمة الجسم { أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا } بالهداية إلى الصراط السوي وهما العقل النظري والعقل العملي { ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب } أي باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الأفعال كما أن باب قرية الروح هو الرضا { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالبون } بخروجكم عن أفعالكم وحولكم ، ويدل على أن الباب هو التوكل قوله تعالى : { وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 23 ] بالحقيقة وهو الإيمان عن حضور ، وأقل درجاته تجلي الأفعال { قَالُواْ يا موسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } أولئك الجبارين عنا وأزيلاهم لتخلو لنا الأرض { إِنَّا هاهنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] أي ملازمون مكاننا في مقام النفس معتكفون على الهوى واللذات
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.