{ ياقوم ادخلوا الأَرْضَ المقدسة } كرر النداء مع الإضافة التشريفية اهتماماً بشأن الأمر ، ومبالغة في حثهم على الامتثال به ، والأرض المقدسة هي ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي . وابن زيد بيت المقدس ، وقال الزجاج : دمشق وفلسطين والأردن( {[267]} ) ، وقال مجاهد هي أرض الطور وما حوله ، وعن معاذ بن جبل هي ما بين الفرات وعريش مصر ، والتقديس : التطهير ، ووصفت تلك الأرض بذلك إما لأنها مطهرة من الشرك حيث جعلت مسكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو لأنها مطهرة من الآفات ، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة ، أو لأنها طهرت من القحط والجوع ، وقيل : سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب .
{ التي كَتَبَ الله لَكُمْ } أي قدرها وقسمها لكم ، أو كتب في اللوح المحفوظ أنها تكون مسكناً لكم . روي أن الله تعالى أمر الخليل عليه الصلاة والسلام أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره إليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الأرض مدى بصره ، وعن قتادة والسدي أن المعنى التي أمركم الله تعالى بدخولها وفرضه عليكم ، فالكتب هنا مثله في قوله تعالى : { كتب عليكم الصيام } [ البقرة : 183 ] وذهب إلى الاحتمالين الأولين كثير من المفسرين ، والكتب على أولهما مجاز ، وعلى ثانيهما حقيقة ، وقيدوه بإن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعدما عصوا : { فإنها محرمة عليهم } [ المائدة : 26 ] .
وقوله سبحانه : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلبُواْ خاسرين } فإن ترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعاً ، والأدبار جمع دبر وهو ما خلفهم من الأماكن من مصر وغيرها ، والجار والمجرور حال من فاعل { ترتدوا } أي لا ترجعوا عن مقصدكم منقلبين خوفاً من الجبابرة ، وجوز أن يتعلق بنفس الفعل ، ويحتمل أن يراد بالارتداد صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفاً غير محسوس أي لا ترجعوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وإليه ذهب أبو علي الجبائي ، وقوله تعالى : { فتنقلبوا } إما مجزوم بالعطف وهو الأظهر ، وإما منصوب في جواب النهي ، قال الشهاب : على أنه من قبيل لا تكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافاً للكسائي ، وفيه نظر لا يخفى ، والمراد بالخسران خسران الدارين .
( هذا ومن باب الإشارة ) : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ } وهي حضرة القلب { الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } في القضاء السابق حسب الاستعداد { وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم } في الميل إلى مدينة البدن ، والإقبال عليه بتحصيل لذاته { فَتَنقَلِبُواْ خاسرين } [ المائدة : 21 ] لتفويتكم أنوار القلب وطيباته
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.