روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

{ لَوْلاَ ينهاهم الربانيون والاحبار } قال الحسن : الربانيون علماء الإنجيل والأحبار علماء التوراة ، وقال غيره : كلهم في اليهود لأنه يتصل بذكرهم ، و { لَوْلاَ } الداخلة على المضارع كما قرره ابن الحاجب وغيره للتحضيض ، والداخلة على الماضي للتوبيخ ، والمراد هنا تحضيض الذين يقتدي بهم أفناؤهم ، ويعلمون قباحة ما هم فيه وسوء مغبته على نهي أسافلهم . { عَن قَوْلِهِمُ الإثم وَأَكْلِهِمُ السحت } مع علمهم بقبحهما واطلاعهم على مباشرتهم لهما ، وفي «البحر » إن هذا التحضيض يتضمن توبيخهم على السكوت وترك النهي .

{ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } الكلام فيه كالكلام السابق في نظيره خلا أن هذا أبلغ مما تقدم في حق العامة لما تقرر في اللغة والاستعمال أن الفعل ما صدر عن الحيوان مطلقاً ، فإن كان عن قصد سمي عملاً ثم إن حصل بمزاولة وتكرر حتى رسخ وصار ملكة له سمي صنعاً وصنعة وصناعة ، فلذا كان الصنع أبلغ لاقتضائه الرسوخ ، ولذا يقال للحاذق : صانع ، وللثوب الجيد النسج : صنيع كما قاله الراغب ففي الآية إشارة إلى أن ترك النهي أقبح من الارتكاب ، ووجهه بأن المرتكب له في المعصية لذة وقضاء وطر بخلاف المقر له ، ولذا ورد إن جرم الديوث أعظم من الزانيين .

واستشكل ذلك بأنه يلزم عليه أن ترك النهي عن الزنا والقتل أشد إثماً منهما وهو بعيد ، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون إثم ترك النهي ممن يؤثر نهيه كف المنهي عن فعل المنهي عنه أشد من إثم المرتكب كيفما كان مرتكبه قتلاً أو زناً أو غيرهما ، وقال الشهاب : إن قيد الأشدية يختلف بالاعتبار ، فكونه أشد باعتبار ارتكاب ما لا فائدة له فيه لا ينافي كون المباشرة أكثر إثماً منه فتأمل ، وفي الآية مما ينعى على العلماء توانيهم في النهي عن المنكرات ما لا يخفى ، ومن هنا قال الضحاك : ما أخوفني من هذه الآية ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية ، وقرىء ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) .