فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

{ لولا } أي هلا ، وهي هنا للتحضيض والتوبيخ لعلمائهم وعبادهم عن تركهم النهي عن المنكر { ينهاهم الربانيون والأحبار } قال الحسن : الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وقيل : الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم { عن قولهم الإثم } يعني الكذب { وأكلهم السحت } أي : الرشا والحرام { لبئس ما كانوا يصنعون } أي : الأحبار والرهبان إذا لم ينهوا غيرهم عن المعاصي .

وهذا فيه زيادة على قوله { لبئس ما كانوا يعملون } لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه ، ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جود عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل ، فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعلي المعاصي .

فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم ، فإنها قد جاءت بما فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغني من جوع ، بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة ، فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو أعظم ما افترضه الله عليه ، وأوجب ما وجب عليه النهوض به .

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم وأعنا على ذاك وقونا عليه ، ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك إنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ، وقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا حاجة لنا في بسطها هنا .

ففي الآية أيضا ذم العلماء المسلمين على توانيهم في النهي عن المنكرات ، ولذلك قال ابن عباس : ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية ، وقال الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها ، وفيه دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه لأن الله تعالى ذم الفريقين في هذه الآية .