مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

ثم قال تعالى : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون }

معنى { لولا } هاهنا التحضيض والتوبيخ ، وهو بمعنى هلا ، والكلام في تفسير الربانيين والأحبار قد تقدم . قال الحسن : الربانيون علماء أهل الإنجيل ، والأحبار علماء أهل التوراة . وقال غيره : كله في اليهود لأنه متصل بذكرهم ، والمعنى أن الله تعالى استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي ، وذلك يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه ، لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد ، بل نقول : إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى لأنه تعالى قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكل السحت { لبئس ما كانوا يعملون } وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر { لبئس ما كانوا يصنعون } والصنع أقوى من العمل لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار مستقرا راسخا متمكنا ، فجعل جرم العاملين ذنبا غير راسخ ، وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنبا راسخا ، والأمر في الحقيقة كذلك لأن المعصية مرض الروح ، وعلاجه العلم بالله وبصفاته وبأحكامه ، فإذا حصل هذا العلم وما زالت المعصية كان مثل المرض الذي شرب صاحبه الدواء فما زال ، هناك يحصل العلم بأن المرض صعب شديد لا يكاد يزول ، فكذلك العالم إذا أقدم على المعصية دل على أن مرض القلب في غاية القوة والشدة ، وعن ابن عباس : هي أشد آية في القرآن ، وعن الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها ، والله أعلم .