روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (51)

{ قُلْ } تبكيتا لهم { لَّن يُصِيبَنَا } أبدا { إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا } أي ما اختصنا بإثباته وإيجابه من المصلحة الدنيوية أو الأخروية الكنصرة أو الشهادة المؤدية للنعيم الدائم ، فالكتب بمعنى التقدير ، واللام للاختصاص ، وجوز أن يكون المراد بالكتب الخط في اللوح واللام للتعليل والأجل ، أي لن يصيبنا إلا ما خط الله تعالى لأجلنا في اللوح ولا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم ، فتدل الآية على أن الحوادث كلها بقضاء الله تعالى وروي هذا عن الحسن . وادعى بعضهم أنه غير مناسب للمقام وأن قوله تعالى : { هُوَ } أي ناصرنا ومتولى أمورنا يعين الأول لأنه يبين أن معنى اللام الاختصاص ويخصص الموصول بالنصر والشهادة أي لن يصيبنا إلا ذلك دون الخذلان والشقاوة كما هو مصير حالكم لأنا مؤمنون وأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ، وقد يقال : هو تعليل لما يستفاد من القول السابق من الرضا أي لن يصيبنا إلا ما كتب من خير أو شر فلا يضرنا ما أنتم عليه ونحن بما فعل الله تعالى راضون لأنه سبحانه مالكنا ونحن عبيده . وقرأ ابن مسعود { هَلُ * يُصِيبَنَا } وطلحة { هَلُ * يُصِيبَنَا } بتشديد الياء من صيب الذي وزنه فيعل لا فعل بالتضعيف لأن قياسه صوب لأنه من الواوي فلا وجه لقلبها ياء بخلاف ما إذا كان صيوب على وزن فيعل لأنه إذا اجتمعت الواو والياء والأول منهما ساكن قلبت الواو ياءاً وهو قياس مطرد ، وجوز الزمخشري كونه من التفعيل على لغة من قال صاب يصيب ، ومنه قول الكميت :

واستبى الكاعب العقيلة إذ *** أسهمي الصائبات والصيب

{ وَعَلَى الله } وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } بأن يفوضوا الأمر إليه سبحانه ، ولا ينافي ذلك التشبث بالأسباب العادية إذا لم يعتمد عليها ، وظاهر كلام جمع أن الجملة من تمام الكلام المأمور به ، وتقديم المعمول لإفادة التخصيص كما أشرنا إليه ، وإظهار الاسم الجليل في مقام الاضمار لإظهار التبرك والاستلذاذ به .

ووضع المؤمنين موضع ضمير المتكلم ليؤذن بأن شأن المؤمنين اختصاص التوكل بالله تعالى ، وجيء بالفاء الجزائية لتشعر بالترتب أي إذا كان لن يصيبنا إلا ما كتب الله أي خصنا الله سبحانه به من النصر أو الشهادة وأنه متولى أمرنا فلنفعل ما هو حقنا من اختصاصبه جل شأنه بالتوكل ، قال الطيبي : وكأنه قوبل قول المنافقين [ التوبة : 50 ] بهذه الفاصلة ، والمعنى دأب المؤمنين أن لا يتكلوا على حزمهم وتيقظ أنفسهم كما أن دأب المنافقين ذلك بل أن يتكلوا على الله تعالى وحده ويفوضوا أمورهم إليه ، ولا يبعد تفرع الكلام على قوله سبحانه : { هُوَ مولانا } كما لا يخفى ، ويجوز أن تكون هذه الجملة مسوقة من قبله تعالى أمراً للمؤمنين بالتوكل إثر أمره صلى الله عليه وسلم بما ذكر ، وأمر وضع الظاهر موضع الضمير في الموضعين حينئذ ظاهر وكذا إعادة الأمر في قوله تعالى :