اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (51)

قوله : { قُل لَّن يُصِيبَنَآ } قال عمر بن شقيق : سمعت " أعين " قاضي الرَّيِّ{[17864]} يقرأ " لن يُصيبنَّا " بتشديد النون .

قال أبُو حاتم : ولا يجوزُ ذلك ؛ لأنَّ النُّونَ لا تدخلُ مع " لَنْ " ، ولو كانت لطلحة بن مصرف ، لجاز ، لأنها مع " هل " ، قال الله تعالى { هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [ الحج : 15 ] .

يعني أبو حاتم : أنَّ المضارع يجوز توكيده بعد أداة الاستفهام ، وابن مصرف يقرأ " هَلْ{[17865]} " بدل " لَنْ " ، وهي قراءة ابن مسعود . وقد اعتذر عن هذه القراءة بأنَّها حملت " لن " على " لم " و " لا " النافيتين ، و " لم " و " لا " يجوز توكيد الفعل المنفيِّ بعدهما .

أمَّا " لا " فقد تقدم تحقيق الكلام عليها في الأنفال . وأما " لم " فقد سمع ذلك فيها ؛ وأنشدوا : [ الرجز ]

يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا *** شَيْخاً عَلَى كُرسيِّهِ مُعَمَّمَا{[17866]}

أراد : " يَعْلمَنْ " فأبدل الخفيفة ألفاً بعد فتحة ، كالتنوين . وقرأ القاضي{[17867]} أيضاً ، وطلحة " هَلْ يُصَيِّبنا " بتشديد الياء . قال الزمخشريُّ : ووجهه أن يكون " يُفَيْعِل " لا " يُفَعِّل " لأنَّهُ من ذوات الواو ، كقولهم : الصَّواب ، وصَابَ يَصوبُ ، ومَصَاوب ، في جمع " مصيبة " فحقُّ " يُفَعِّل " منه " يُصَوِّب " ، ألا ترى إلى قولهم : صوَّب رأيه ، إلاَّ أن يكون لغة من يقول : صَابَ السَّهْمُ يصيبُ ؛ كقوله : [ المنسرح ]

. . . *** أسْهُمِيَ الصَّائِبَاتُ والصُّيُبُ{[17868]}

يعني : أن أصله " يُصَوْيب " فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياءً ، وأدغم فيها . وهذا كما تقدم في " تَحَيَّزَ " أنَّ أصله " تَحَيْوزَ " ، وأمَّا إذا أخذناه من لغة من يقول : صَاب السَّهم يصيب ، فهو من ذوات الياء فوزنه على هذه اللغة " فَعَّل " .

فصل

المعنى : قل لهم يا محمد { لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا } أي : علينا ، وقدره في اللوح المحفوظ ، أو يكون المعنى " لنْ يُصيبنَا إلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنَا " أي : في عاقبة أمرنا من الظفر بالعدو ، والاستيلاء عليهم . وقال الزجاج : المعنى : إذا صرنا مغلوبين ، صرنا مستحقين للأجر العظيم ، والثَّواب الكثير ، وإن صرنا غالبين ، صرنا مستحقين للثواب في الآخرة وفزنا بالمال الكثير ، والثناء الجميل في الدنيا والصحيح الأول .

ثم قال : " هُوَ مَوْلاَنَا " ناصرنا ، وحافظنا . قال الكلبي " هو أوْلَى بنا من أنفسنا ، في الحياة والموت " . { وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } وهذا كالتنبيه على أن حال المنافقين بالضد من ذلك ، وأنهم لا يتوكلون إلا على الأسباب الدنيوية الفانية .

فصل


[17864]:ينظر: المحرر الوجيز 3/42، البحر المحيط 5/53، البحر المحيط 5/53، الدر المصون 3/471.
[17865]:ينظر: المحرر الوجيز 3/42، البحر المحيط 5/53، الدر المصون 3/471.
[17866]:تقدم.
[17867]:ينظر: الكشاف 2/278، المحرر الوجيز 3/42، البحر المحيط 5/53، الدر المصون 3/471.
[17868]:عجز بيت للكميت وصدره: واستبى الكاعب المقلية إذ *** ... ينظر: المحتسب 1/294 روح المعاني 10/115 الدر المصون 3/472 واللسان 4/2532.