فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (51)

ثم لما قالوا هذا القول أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عليهم بقوله : { لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا } أي : في اللوح المحفوظ ، أو في كتابه المنزّل علينا ، وفائدة هذا الجواب أن الإنسان إذا علم أن ما قدّره الله كائن ، وأن كل ما ناله من خير أو شرّ إنما هو بقدر الله وقضائه ، هانت عليه المصائب ، ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة { هُوَ مولانا } أي : ناصرنا وجاعل العاقبة لنا ، ومظهر دينه على جميع الأديان ، والتوكل على الله تفويض الأمور إليه ؛ والمعنى : أن من حق المؤمنين أن يجعلوا توكلهم مختصاً بالله سبحانه ، لا يتوكلون على غيره . وقرأ طلحة بن مصرف { يصيبنا } بتشديد الياء . وقرأ أعين قاضي الري «يصيبنا » بنون مشدّدة . وهو لحن لان الخبر لا يؤكد . وردّ بمثل قوله تعالى : { هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } . وقال الزجاج : معناه لا يصيبنا إلا ما اختصنا الله من النصرة عليكم أو الشهادة .

وعلى هذا القول يكون قوله : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الحسنيين } تكريراً لغرض التأكيد ، والأوّل : أولى حتى يكون كل واحد من الجوابين اللذين أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عليهم بهما مفيداً لفائدة غير فائدة الآخر ، والتأسيس خير من التأكيد .

/خ57