التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها . وهي فيها من تزاحم المعاني الكثيرة المختلفة ، وتعدد المواعظ والمشاهد ما يستديم اليقظة في النفس ، والرهافة في المشاعر والحس . هذه السورة تعرض لسمات المؤمنين المفلحين الذين يفوزون بالنجاة ثم يصارون إلى نعيم الفردوس . جعلنا الله في زمرتهم .

وفي السورة بيان مجمل لمراحل الحياة الإنسانية وتطورها المنتظم العجيب بدءا بالنطفة من ماء مهين حتى الاكتساء باللحم ، والإنشاء خلقا آخر بإشاعة الروح في الجنين ثم خروجه إلى الدنيا إلى أجل مسمى ، ثم عودته إلى الممات ومخالطة التراب ليبعث يوم القيامة من جديد .

وفي السورة ذكر مقتضب لفريق من النبيين المرسلين وما لاقوه من معاندة الكافرين وطغيانهم وهم نوح وهود وصالح وموسى وهارون . أولئك المقربون الأطهار الذين أوذوا في الله من أممهم الضالة المتمردة فانتقم الله منهم في هذه الدنيا توطئة للعذاب البئيس المستديم في الآخرة .

وفي السورة من أهوال الموت وفظائع القيامة ما يقرع الحس والوجدان ، ويستنفر في القلب دوام الخشية والوجل . إلى غير ذلك من العبر المختلفة وعظائم الأخبار عن أحوال البشرية في الدنيا والآخرة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قد أفلح المؤمنون ( 1 ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2 ) والذين هم عن اللغو معرضون ( 3 ) والذين هم للزكاة فاعلون ( 4 ) والذين هم لفروجهم حافظون ( 5 ) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( 6 ) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( 7 ) والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون ( 8 ) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( 9 ) أولئك هم الوارثون ( 10 ) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ( 11 ) } .

روى الإمام أحمد بسنده عن عمر بن الخطاب قال : إذا نزل على رسول الله ( ص ) الوحي يُسمع عند وجهه كدوي النحل ، فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا وأرضنا " ثم قال : " لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة " ثم قرأ ( قد أفلح المؤمنون ) حتى ختم العشر{[3154]} . لقد فاز المؤمنون وسعدوا بما أعده الله لهم من حسن الجزاء في الدار الآخرة ؛ إذ النعيم المقيم والقرار الكريم المستديم .

والمؤمنون متصفون بصفات شتى جديرة بالاهتمام والبيان . وهي أوصاف مستفيضة ذكرتها الآيات هنا .


[3154]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 209.