التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

قوله تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( 10 ) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } .

يبين الله في ذلك بالغ قدرته وعظيم سلطانه ؛ فهو سبحانه الخالق المهيمن المقتدر الذي ذرأ الكون الهائل المتسع ومنه السماوات السبع وما فيهن وما بينهن . وقد قيل : إن السماوات مبسوطة مستوية . وقيل : إنها مستديرة ويعزز هذا قوله : { كل في فلك يسبحون } والفلك اسم لشيء مستدير . وفلْكة المغزل ، سميت بذلك لاستدارتها . ويقال : تركته كأنه يدور في فلك{[3639]} .

قوله : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } { عَمَدٍ } ، جمع ومفرده عماد وعمود . ترونها جملة فعلية ، في موضع نصب على الحال من { السماوات } . فلا يكون ثمة عمد البتة . وقيل : في موضع جر ، صفة لعمد ، فيكون هناك عمد لكنها لا ترى .

وكيفما تكن حال السماوات أو حقيقتها من حيث الكيفية والهيئة والسعة وكثرة الخلائق والأشياء والأجرام فإن ذلك كله من خلق الله . وتلكم آية بالغة على أن الله حق ، وأنه الخالق القادر البديع .

قوله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } الرواسي ، الجبال الثوابت ؛ فقد جعلها الله في الأرض ؛ لتستقر هذه وتثبت فلا تتحرك أو تضطرب ؛ ذلك أن الجبال هائلة وثقال ، وهي بعظيم ثقلها تصير الأرض بها ثقيلة فتترسخ وتسكن ، وإلا زالت عن موضعها أو تطايرت . وهو قوله : { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي كراهية أن تميد بكم . أو لئلا تميد بكم ، ماد الشيء ، تحرك . ومادت الأغصان ، تمايلت . وغصن مائد ، أي مائل ، وماد الرجل ، يعني تبختر{[3640]} .

قوله : { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ } الدابة اسم لكل ما دب على الأرض .

والمعنى : أن الله خلق في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم أجناسها وأعدادها وأشكالها وألوانها إلا هو سبحانه .

قوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } أنزل الله المطر من السماء فأنبت به في الأرض من كل نوع من أنواع النبات { كَرِيمٍ } أي حسن المنظر واللون .


[3639]:مختار الصحاح ص 511، وأساس البلاغة ص 481.
[3640]:مختار الصحاح ص 640 وأساس البلاغة ص 609.