فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

ثم بيّن سبحانه عزته وحكمته بقوله : { خلِقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } العمد : جمع عماد ، وقد تقدم الكلام فيه في سورة الرعد . و { ترونها } في محل جرّ صفة ل { عمد } فيمكن أن تكون ثمّ عمد ، ولكن لا ترى . ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال ، أي ولا عمد البتة . قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول : الأولى أن يكون مستأنفاً ، أي ولا عمد ثم { وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ } أي جبالاً ثوابت { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } في محل نصب على العلة ، أي كراهة أن تميد بكم . والكوفيون يقدّرونه : لئلا تميد ، والمعنى : أنها خلقها وجعلها مستقرّة ثابتة لا تتحرّك بجبال جعلها عليها وأرساها على ظهرها { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ } أي من كلّ نوع من أنواع الدوابّ ، وقد تقدّم بيان معنى البثّ { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } أي أنزلنا من السماء مطراً فأنبتنا فيها بسبب إنزاله من كلّ زوج ، أي من كل صنف ، ووصفه بكونه كريماً ؛ لحسن لونه وكثرة منافعه . وقيل : إن المراد بذلك الناس ، فالكريم منهم من يصير إلى الجنة ، واللئيم من يصير إلى النار . قاله الشعبي ، وغيره ، والأوّل أولى .

/خ11