إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

{ خَلَقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ } الخ استئنافٌ مسوقٌ للاستشهادِ بما فُصِّل فيه على عزَّتِه تعالى التي هي كمالُ القدرةِ وحكمتِه التي هي كمالُ العلمِ وتمهيدُ قاعدةِ التوحيد وتقريرُه وإبطالُ أمرِ الإشراكِ وتبكيتُ أهلِه . والعَمَدُ جمعُ عمادٍ كأَهبٍ جمعُ إهابٍ وهو ما يُعمَّدُ به أي يُسندُ . يُقال عمَّدتُ الحائطَ إذا دعَّمتُه أي بغيرِ دعائم ، على أنَّ الجمعَ لتعددِ السَّمواتِ . وقولُه تعالى : { تَرَوْنَهَا } استئنافٌ جِيءَ بهِ للاستشهادِ على ما ذُكر من خلقِه تعالى لها غيرَ معمودةٍ بمُشاهدتِهم لها كذلك ، أو صفةٌ لعَمَدٍ أي خلقَها بغيرِ عمدٍ مرئيَّةٍ على أنَّ التَّقييدَ للرَّمزِ إلى أنَّه تعالى عمَّدها بعَمدٍ لا تَرَونها هي عَمَدُ القُدرةِ { وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ } بيانٌ لصُنعه البديعِ في قرارِ الأرض إثرَ بيانِ صُنعه الحكيمِ في قرار السَّمواتِ والأرضِ أي ألقى فيها جبالاً ثوابتَ . وقد مرَّ ما فيه من الكلامِ في سُورة الرَّعدِ الآية2 { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } كراهةَ أنْ تميلَ بكم فإنَّ بساطةَ أجزائِها تقتضِي تبدُّلَ أحيازِها وأوضاعِها لامتناعِ اختصاصِ كلَ منها لذاتِه أو لشيءٍ من لوازمِه بحيِّزٍ معيَّنٍ ووضعٍ مخصوصٍ { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ } من كلِّ نوعٍ من أنواعِها { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً } هو المطرُ { فَأَنبَتْنَا فِيهَا } بسببٍ ذلك الماءِ { مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } من كلِّ صنفٍ كثيرِ المنافعِ . والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ في الفعلينِ لإبرازِ مزيدِ الاعتناءِ بأمرِها