تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { خلق السماوات بغير عمد ترونها } قال بعضهم : خلق السماوات بعمد لا ترونها . وقيل : لعل لها عمدا ، لكن لا ترونها . وقال بعضهم : خلقها بلا عمد . لكن الأعجوبة في ما خلقها بعمد لا ترونها ، ليست بدون الأعجوبة في خلقها بلا عمد ، لأن رفع مثلها بعمد لا ترى أعظم في اللطف والقدرة من رفعها بلا عمد ؛ إذ العمد لو كانت مقدار الريشة أو الشعرة ترى . فرفعها مع ثقلها وعظمها وغلظها على عمد لا ترى ، هو ألطف من ذلك وأعظم في الأعجوبة مما ذكرنا .

فأيهما كان ففيه دلالة ألا يجوز تقدير قوى الخلق بقوى الله تعالى وقدرته( {[16165]} ) ، ولا سلطان الخلق بسلطانه . بل هو القادر على الأشياء كلها بما شاء ، وكيف شاء ، لا يعجزه شيء .

وقوله تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } وقال في آية أخرى { وجعل فيها رواسي } [ الرعد : 3 ] .

والرواسي هن الثوابت أي ثبت الأرض بالجبال كقوله : { والجبال أرساها } [ النازعات : 32 ] أي أثبتها .

وقوله تعالى : { أن تميد بكم } أي لا تميد بكم ؛ ذكر الميد ، وهو الميل والاضطراب ، وليس من طبع الأرض الميل والاضطراب ، وإنما طبعها التسرب والتسفل والانحدار . فلا يدرى أن كيف حالها في الابتداء ؟ وما في سريتها ما يحملها على الاضطراب والميل حتى أثبتها ، وأرساها بالجبال ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { وبث فيها من كل دابة } قال بعضهم : بث : خلق ، وقيل : بث : فرق . وفيه أنه جعل الأرض مكانا أو معدنا لكل أنواع الدواب الممتحن وغير الممتحن والمميز وغير المميز ، والسماء لم يجعلها( {[16166]} ) إلا لنوع من الخلق أهل العبادة .

وقوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } أي أنبتنا فيها من كل لون ، يتلذذ به الناظر إليه { كريم } ينال منه كل ما أراده ، وتمناه ، إذ الكريم ، هو ما يطمع منه نيل كل ما عنده ، وأريد منه .

وقال بعضهم : الكريم الحسن ، أي : أنبتنا فيها من كل لون حسن ما يستحسنه الناظر ، ويتلذذ به على ما ذكر في آية أخرى : { من كل زوج بهيج } [ الحج : 5 ] ما يبهج ، ويسر به كل ناظر إليه ، والله أعلم .


[16165]:في الأصل وم: بقدرته.
[16166]:في الأصل وم: يجعل.