الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

ثم قال تعالى ذكره : { خلق السموات بغير عمد ترونها } .

قال ابن عباس : عمدها قاف ، وهو الجبل المحيط بالدنيا ، وهو من زبرجدة خضراء {[54885]} من زبرجد الجنة ، وخضرة السماء منه ، وخضرة البحار من السماء والسماء مقبة على الجبل الذي اسمه قاف ، ولكنكم لا ترونه {[54886]} .

وروي عنه أنه قال : لعلها بعمد لا ترونها {[54887]} . وقاله عكرمة {[54888]} .

فيكون ترونها على هذا القول في موضع خفض نعتا للعمد ، والتاء متعلقة

بخلق {[54889]} .

وقال الحسن : لا عمد لها البتة {[54890]} ، فيكون " ترونها " على هذا القول في موضع نصب على الحال من السموات ، والباء متعلقة بترونها {[54891]} .

ويجوز أن يكون " ترونها " مستأنفا أي أنتم ترونها/ فتقف على : " بغير عمد " ولا تقف على القولين الأولين إلا على : " ترونها " فإذا كان الضمير في ترونها للعمد ، فترونها نعت للعمد ، وليس ثم عمد ، والمعنى فلا عمد مرئية البتة ويحتمل على هذا الوجه ، فلا عمد مرئية لكم ، أي ثم عمد ولكن لا ترونها {[54892]} .

[ فإذا جعلت الضمير في ترونها يعود على السماوات ، كان ترونها ] {[54893]} حالا من السماوات .

والمعنى ترون السماوات بغير عمد تمسكها ، فلا عمد ثم البتة ، كالتأويل الأول .

ثم قال تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } أي : أن تحرك بكم يمينا وشمالا ، أي : حمل على ظهر الأرض جبالا ثوابت لئلا تميد بكم .

قال قتادة : لولا ذلك ما أقرت عليها خلقا {[54894]} .

{ وبث فيها من كل دابة } أي فرق في الأرض من كل أنواع الدواب ثم قال تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء } أي مطرا .

{ فأنبتنا فيها } أي في الأرض بذلك الماء .

{ من كل زوج } أي : نوع من النبات .

{ كريم } قال قتادة : حسن {[54895]} .

وقال ابن عباس : من كل لون حسن {[54896]} .

وتأوله الشعبي على الناس لأنهم مخلوقون من الأرض فمن كان منهم إلى الجنة فهو الكريم ، ومن يصير إلى النار فهو اللئيم {[54897]} .

وتأوله غيره في النطفة لأنها مخلوقة من تراب في الأصل .


[54885]:جاء في اللسان 3/194 "الزبرجد والزبردج: الزمرد"
[54886]:في معجم البلدان 4/298، ورد تعريف "قااف" بلفظ قريب من قول ابن عباس ودون نسبة القول إليه.
[54887]:انظر: جامع البيان 21/65، والمكتفي للداني 452
[54888]:انظر: جامع البيان 21/65، وتفسير ابن كثير 3/443
[54889]:انظر: إعراب النحاس 3/282
[54890]:انظر: جامع البيان 21/65
[54891]:انظر: مشكل الإعراب لمكي 2/564 وإعراب النحاس 3/282
[54892]:انظر: مشكل الإعراب 2/564
[54893]:انظر: ما بين المعقوفين مثبت في الطرة
[54894]:انظر: جامع البيان 21/66
[54895]:انظر: جامع البيان 21/66
[54896]:انظر: الجامع للقرطبي 14/58
[54897]:انظر: الجامع للقرطبي 14/58، وتفسير ابن كثير 3/444