التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (49)

قوله : { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم } المنافقون : هم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر . أما الذين في قلوبهم مرض : فيراد بهم الشاكون وضعاف الإيمان الذين لم تشرح صدورهم بالإيمان فهم على حرف ؛ لأنهم حديثو عهد بالإسلام . فهم بذلك دون المنافقين . والمراد أن هؤلاء جميعا قالوا عند التقاء الصفين { غر هؤلاء دينهم } أي غر هؤلاء المسلمين الذين يقاتلون المشركين ، من أنفسهم دنيهم وهو الإسلام . يعنون أن المسلمين قد اغتروا بدينهم وأنهم يتقون به فيستطيعون هزم خصومهم وهم الأكثرون الأقوياء .

قال ابن عباس في هذه الآية : لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ، وقلل المشركون في أعين المسلمين . فقال المشركون : غر هؤلاء دينهم . وإنما قالوا ذلك من قتلهم في أعينهم فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك . فقال الله : { ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } أي من يسلم أمره إلى الله ويثق به تمام الثقة ويركن إليه تمام الركون ؛ فلسوف ينصره ويرعاه ؛ لأن الله عزيز ؛ أي قوي الجلال والسلطان ، لا يغلبه شيء ولا يقهره قاهر . فمن استجار بجنابه ؛ حفظه وكفاه . وهو كذلك { حكيم } فلا تصدر أفعاله وأوامره وزواجره وأقداره إلا عن حكمة ، فينصر من يستحق النصر ، ويخذل من لا يستحق غير ذلك{[1675]} .

وذلك أمر من الله لعباده المؤمنين بان يديموا التوكل على الله وحده دون أحد من خلقه ؛ فإن الله حافظهم وجاعل الغلبة لهم .


[1675]:الكشاف جـ 2 ص 163 وتفسير الطبري جـ 10 ص 16 وتفسير ابن كثير جـ 2 ص 318.