تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (49)

المفردات :

غر هؤلاء دينهم : أي : خدع هؤلاء المسلمين دينهم ، فظنوا أنهم ينصرون به فأقدموا على ما أقدموا عليه مما لا طاقة به .

49 – { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم . . . } الآية .

تشير الآية إلى موقف المنافقين في المدينة ، والمشركين في مكة ، وإلى غيرهم من الأعراب ، ومن لم يتمكن الإيمان في قلوبهم .

فقد رأوا قلة مؤمنة في بدر ، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ، تخرج للقاء كثرة كافرة ، تزيد على ثلاثة أمثالهم ، وهؤلاء المنافقون ومرضى القلوب ، يزنون الأمور بميزان الكثرة المادية ، والأمور الحسية .

فقالوا : ما خرج هؤلاء المؤمنون إلا غرورا بدينهم ؛ فقد خدعهم دينهم فخرجوا على قلتهم ؛ لقتال جيش قوي كبير مستعد ؛ فهم يلقون بأنفسهم إلى التهلكة .

وقد تكفل الحق سبحانه بالرد عن المؤمنين ، الذين أخذوا في أسباب النصر ، وأعدوا العدة ثم توكلوا على الله . فقال سبحانه :

{ ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } .

ومن يفوض أمره إلى الله ، ويثق به ويلجأ إليه ، مؤمنا صادقا عاملا ، متيقنا بقدرة خالقه ، وأن بيده الخلق والأمر ؛ فإن الله ينصره ويؤيده ، وما النصر إلا من عند الله .

{ فإن الله عزيز حكيم } .

أي : غالب على أمره حكيم في فعله .

وقد اقتضت سنته ، أن ينصر الحق على الباطل ، وأن يسلط القليل الضعيف على القوي الكثير .

ورغم أن الآية تشير إلى أحداث غزوة بدر ؛ فإنها عامة فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، إنها تصف طبيعة بعض الناس في عصرنا وسائر العصور ؛ هؤلاء الذين يسخرون من أصحاب الدعوات المخلصة على قلتهم ، وقلة ما يملكون من تراث الدنيا ، ويقولون : غر هؤلاء دينهم وعقيدتهم .

وما عملوا أن هؤلاء الدعاة الهداة ، يملكون شيئا قيما ، هو صدق الإيمان ، وسلامة النية ، وإخلاص الدعوة ، وحرارة العقيدة ، وصدق التوكل على الله ، بعد العمل والأمل ، فالله لا يخذلهم بل يمدهم بنصره وعونه : { ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } .

من أسباب النزول :

روى عن مجاهد أنه قال في تفسير الآية 49 من سورة الأنفال : هم فئة من قريش ، قيس بن الوليد ابن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، ويعلى بن أمية ، والعاص بن منبه ، خرجوا مع قريش من مكة ، وهم على الارتياب ، فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : غر هؤلاء دينهم ؛ حين أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم .