اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (49)

قوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ المنافقون } العامل في " إذْ " إمَّا " زيَّن " ، وإمَّا " نَكَصَ " وإما " شديدُ العقاب " وإما " اذكروا " .

قال ابنُ الخطيب : " وإنما لم تدخل الواو في قوله " إذْ يقُولُ " ودخلت في قوله " وإذْ زَيَّن " ؛ لأنَّ قوله : " وإذْ زيَّن " عطف التزين على حالهم وخروجهم بطراً ورئاء النَّاس .

وأما قوله { إِذْ يَقُولُ المنافقون } فليس فيه عطف على ما قبله ، بل هو ابتداء كلام منقطع عما قبله " .

فصل

المنافقون : قوم الأوس والخزرجِ ، وأمَّا الذين في قلوبهم مرض فهم قوم من قريش أسلموا وما قوي إسلامهم ، وكانوا بمكَّة مستضعفين ، قد أسلموا وحبسهم أقرباؤهم عن الهجرة فلما خرجت قريش إلى بدرٍ أخرجوهم كُرْهاً ، فلمَّا نظروا إلى قلّة المسلمين ارتابوا وارتدوا ، وقالوا { غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ } . و { غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ } منصوب المحل بالقول .

قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " معناه أنه خرج بثلاث مائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل " {[17409]} وقيل المرادُ : إن هؤلاء يسعون في قتل أنفسهم ، رجاء أن يجعلوا أحياء بعد الموتِ ، ويثابون على هذا القَتْلِ . فقالوا : غرَّ هؤلاء دينهم . فقتلوا جميعاً ، منهم : قيسُ بنُ الوليد بن المغيرة ، وأبُو قيس بنُ الفاكه بن المغيرة المخزوميان ، والحارثُ بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، وعلي بنُ أميّة بن خلف الجمحيُّ ، والعاصي بن منبه بن الحجَّاج .

ثم قال : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله } أي : يسلم أمره إلى اللَّه ، ويثقُ به ، فإنَّ اللَّهَ حافظه وناصره ؛ لأنَّهُ عزي لا يغلبه شيء ، حكيم يوصل العذاب إلى أعدائه ، والرحمة والثواب إلى أوليائه .


[17409]:ذكره الرازي في "تفسيره" (15/141).