البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (49)

{ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم } ، العامل في { إذ } { زيّن } أو { نكص } أو { سميع عليم } أو { اذكروا } أقوال وظاهر العطف التغاير .

فقيل { المنافقون } هم من الأوس والخزرج لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم قال بعضهم : نخرج معه ، وقال بعضهم : لا نخرج { غرّ هؤلاء } أي المؤمنين { دينهم } فإنهم يزعمون أنهم على حق وأنهم لا يغلبون هذا معنى قول ابن عباس ، { والذين في قلوبهم مرض } قوم أسلموا ومنهم أقرباؤهم من الهجرة فأخرجتهم قريش معها كرهاً فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وقالوا { غرّ هؤلاء دينهم } فقتلوا جميعاً ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحرث بن زمعة بن الأسود وعلي بن أمية والعاصي بن منبه بن الحجاج ولم يذكر أنّ منافقاً شهد بدراً مع المسلمين إلا معتب بن قشير فإنه ظهر منه يوم أحد قوله : { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } ، وقيل { والذين في قلوبهم مرض } هو من عطف الصّفات وهي لموصوف واحد وصفوا بالنفاق وهو إظهار ما يخفيه من المرض كما قال تعالى في قلوبهم مرض وهم منافقو المدينة ، وعن الحسن هم المشركون ويبعد هذا إذ لا يتّصف المشركون بالنفاق لأنهم مجاهرون بالعداوة لا منافقون ، وقال ابن عطية ، قال المفسّرون : إنّ هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلّة عددهم قالوا مشيرين إلى المسلمين { غرّ هؤلاء دينهم } أي اغترّوا فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به وكنّى بالقلوب عن العقائد والمرض أعمّ من النفاق إذ يطلق مرض القلب على الكفر .

{ ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } هذا يتضمن الردّ على من قال { غرّ هؤلاء دينهم } فكأنه قيل هؤلاء في لقاء عدوّهم هم متوكلون على الله فهم الغالبون ، { ومن يتوكل على الله } ينصره ويعزَّه { فإن الله عزيز } لا يغالب بقوة ولا بكثرة { حكيم } يضع الأشياء مواضعها أو حاكم بنصره من يتوكل عليه فيديل القليل على الكثير .