تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (49)

وقوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال بعضهم : الذين في قلوبهم مرض المشركون ( غر هؤلاء دينهم ) . وعن الحسن ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض )[ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر ، فسموا منافقين .

وقال بعض أهل التأويل : إن قوما كانوا أسلموا بمكة ، فأقاموا بها مع المشركين ، ولم يهاجروا إلى المدينة ، فلما خرج كفار مكة إلى بدر خرج هؤلاء معهم . فلما عاينوا قلة المؤمنين وضعفهم شكوا في دينهم ، وارتدوا ، فقالوا[ في الأصل وم : قال ] : ( غر هؤلاء دينهم ) يعنون أصحاب محمد .

يقول الله تعالى : ( ومن يتوكل على الله ) فيثق بوعده في النصر ببدر [ رغم قولهم ][ في الأصل وم : لقولهم ] ( غر هؤلاء دينهم ) ( فإن الله عزيز حكيم ) لا يعجزه شيء .

قالوا[ في الأصل وم : وقوله ] : ( غر هؤلاء دينهم ) لأنه لم يكن معهم عدة ولا أسباب الحرب من السلاح وغيره ، فلم يكونوا يقاتلون إلا لقوة دينهم .

وقوله تعالى : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) إن[ في الأصل وم : فإن ] قيل لنا : ما الحكمة في ذكر قول المنافقين في القرآن حتى نتلوه في الصلاة ؟ قيل : ذكره[ الهاء ساقطة من الأصل وم ] والله أعلم ، لنعرف عظيم منزلة الدين وخطير قدره في قلوبهم ؛ أعني قلوب المؤمنين ، وذلك أنهم بذلوا أنفسهم للهلاك لخروجهم لقتال عدوهم مع ضعفهم وكثرة أعدائهم وقوتهم رجاء أن يسلم لهم دينهم . يذكر لنا لنعرف عظيم محل الدين في قلوبهم ليكون محل الدين في قلوبنا على مثل قدره .

وفي قوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ) دلالة إثبات رسالة محمد لأنهم إنما قالوا ذلك سرا في ما بينهم ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، ليعلم أنه عرف بالله .

ثم اختلف في قوله : ( والذين في قلوبهم مرض ) قال بعضهم : م/202-ب/ المشركون . قال المنافقون والمشركون [ عن المؤمنين ][ في الأصل وم : للمؤمنين ] ( غر هؤلاء دينهم ) وقال بعضهم : هم قوم أسلموا ، وقد كانوا ضعفاء في الإسلام و الدين ، فلما خرجوا إلى بدر فرأوا ضعف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة أولئك القوم قالوا عند ذلك : ( غر هؤلاء دينهم ) . وقد ذكر في بعض القصة أن قوما كانوا أسلموا بمكة ، ثم أقاموا مع المشركين ، ولم يهاجروا إلى المدينة ، فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر خرج هؤلاء معهم . فلما عاينوا قلة المسلمين شكوا في دينهم ، وارتابوا ، فقالوا مع المنافقين : ( غر هؤلاء دينهم ) يعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) من المؤمنين ، فيثق به في النصر [ رغم قولهم ][ في الأصل وم : لقولهم ] ( غر هؤلاء دينهم ) .

وقوله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) يجيء أن يكونوا[ في الأصل وم : يكون ] هم المنافقين[ في الأصل وم : المنافقون ] على ما فسره في آية أخرى . فإن كان على ذلك فيكون على إسقاط الواو ؛ وكأنه يقال : يقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض إلا أن يقال : إن المنافقين هم الذين أضمروا الكفر حقيقة والذين لم يضمروا الكفر ، لكنهم ارتابوا ، وشكوا ، واعترضهم[ في الأصل وم : واعترض ] شك وارتياب من بعد أن[ في الأصل وم : إذا ] رأوا تأخر الموعود .

وقوله تعالى : ( غر هؤلاء دينهم ) يخرج على وجهين :

أحدهما : قالوا : غر الموعود الذي وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتوح لهم و النصر في الدنيا . يقولون : غر ذلك الموعود الذي كانوا به من الفتوح الذي وعد لهم .

والثاني : يقولون : غر هؤلاء الموعود الذي وعدوا في الآخرة من النعيم الدائم والحياة الدائمة .

فيكون أحد التأويلين بالموعود في الآخرة ، وهو بالإسلام يكون ، والثاني بالموعود في الدنيا ، وهو الفتح والنصر الذي ذكرناه .

وقوله تعالى : ( عن هؤلاء دينهم ) لما رأوا أنهم تركوا آباءهم وجميع شهواتهم ، وبذلوا أنفسهم للقتال ليسلم لهم دينهم ، لذلك قالوا : ( غر هؤلاء دينهم ) لما لم يكن خروجهم وبذلهم أنفسهم لذلك إلا إشفاقا وخوفا على دينهم ؛ وطلبوا لما بذلوا أنفسهم حياة الأبد في الآخرة ، فقالوا ( غر هؤلاء دينهم ) والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله ) أي اعتمد على الله في حرب بدر على ما ذكر أهل التأويل والنصر فيه .

قوله تعالى : ( فإن الله عزيز حكيم ) العزيز في هذا الموضع هو الغالب ( حكيم ) مما أمر بالقتل .