التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ} (12)

{ وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم } أي إن نقضوا عهودهم من بعد ما عاهدوكم وأعطوكم المواثيق بعدم الخيانة أو مظاهرة أعدائكم عليكم { وطعنوا في دينكم } أي قدحوا في الإسلام وعابوه وانتقصوا من قدره أو ألحقوا به عيب أو مثلبة فقاتلوهم ؛ فإنهم بذلك باتوا رؤوسا في الكفر . ويستدل بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في دين الإسلام ، فهو بطعنه ينقلب كافرا . ومن وجوه الطعن أن ينسب خبيث أو مارق إلى الإسلام ما لا يليق به ، أو يتقول عليه تقولا يراد به الاستخفاف أو السخرية من هذا الدين المبرأ من كل النقائص والعيوب . لا جرم أنه لا يجترئ على قدح الإسلام والطعن فيه بشيء من وجوه الانتقاض والاستخفاف والافتراء إلا مرتد أثيم أو كافر لئيم . وهو بكفره الشنيع هذا قد انتكس انتكاسا يهوي به في زمرة المرتدين والكافرين الخاسرين الذين نكثوا عهودهم وخانوا الله والمرسلين مع الأشقياء والمقبوحين .

ويلحق بالطاعنين الخاسرين ، أولئك الذين يجاوزون في عصيانهم مجاوزة فظيعة تولجهم في الأخسرين الأذلين وهم الذين يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو يسبون الذات الإلهية ، أو يشتمون الدين الرباني الحق . ومن المعلوم بالضرورة أن دين الله لهم جماع الحق كله ، وفيه تنضوي كل المعاني الكريمة في الخير والفضل والرحمة . فشاتم الدين الحق مغال في العتو والتمرد . وأمثال هؤلاء الخاسرين الهلكي يجب قتالهم لقوله سبحانه : { فقاتلوا أئمة الكفر } والأئمة جمع إمام . والمراد به من أقدام على نكث العهد والطعن في دين الله ؛ إذ يصير بذبك رأسا من رؤوسه أو إمام من أئمته .

قوله : { إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون } أي لا عهود لهؤلاء المشركين الماكرين ، فهم مخادعون دجاجلة لا يوفون بعهد ولا يؤتمنون على إيمان أو مواثيق ؛ فهم لا تعطفهم أساليب اللين والهوادة عن الشر والعداون . لا يعطفهم إلا أن تكسر شوكتهم وتزال سطوتهم ويتبدد طغيانهم . فلعل في ذلك ما يرجعهم عن الشرك والضلال ويحملهم على إدراك الحق والتزامه{[1734]} .


[1734]:تفسير القرطبي جـ 8 ص 84، 85.