«الرسل » الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل . وقالت فرقة : بدل إسرافيل عزرائيل - ملك الموت - وروي أن جبريل منهم كان مختصاً بإهلاك قرية لوط ، وميكائيل مختصاً بتبشير إبراهيم بإسحاق . وإسرافيل مختصاً بإنجاء لوط ومن معه .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق وقالت فرقة - وهي الأكثر - «البشرى » هي بإسحاق . وقالت فرقة : «البشرى » هي بإهلاك قوم لوط .
وقوله : { سلاماً } نصب على المصدر ، والعامل فيه فعل مضمر من لفظة كأنه قال : أسلم سلاماً ، ويصح أن يكون : { سلاماً } حكاية لمعنى ما قالوه لا للفظهم - قاله مجاهد والسدي - فلذلك عمل فيه القول ، كما تقول - الرجل قال : لا إله إلاَّ الله - قلت حقاً أو إخلاصاً ؛ ولو حكيت لفظهم لم يصح أن تعمل فيه القول وقوله : { قال : سلام } حكاية للفظه ، و { سلام } مرتفع إما على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره عليكم ، وإما على خبر ابتداء محذوف تقديره أمري سلام ، وهذا كقوله : { فصبر جميل }{[6416]} إما على تقدير فأمري صبر جميل ، وإما على تقدير : فصبر جميل أجمل{[6417]} .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم : «قالوا : سلاماً قال : سلاَم » وقرأ حمزة والكسائي : «قالوا سلاماً ، قال : سلم » وكذلك اختلافهم في سورة الذاريات{[6418]} . وذلك على وجهين : يحتمل أن يريد به السلام بعينه ، كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام ومن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ]
مررنا فقلنا ابه سلم فسلمت*** كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح{[6419]}
اكتلّ : اتخذ إكليلاً أو نحو هذا قال الطبري وروي : كما انكلّ - ويحتمل أن يريد ب «السلم » ضد الحرب ، تقول نحن سلم لكم .
وكان سلام الملائكة دعاء مرجواً - فلذلك نصب - وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر ولذلك جاء مرفوعاً{[6420]} .
وقوله : { فما لبث أن جاء } يصح أن تكون { ما } نافية ، وفي { لبث } ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء ، ويصح أن تكون { ما } نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع ب { لبث } أي ما لبث مجيئه ، وليس في { لبث } على هذا ضمير إبراهيم ، ويصح أن يكون { ما } بمعنى الذي وفي { لبث } ضمير إبراهيم - وإن جاء خبر { ما } أي فلبث إبراهيم مجيئه بعجل حنيذ{[6421]} ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية .
و «الحنيذ » بمعنى المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه ، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات ، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض{[6422]} من الشواء الذي يصفف على الجمر ؛ والمهضب{[6423]} : الشواء الذي بينه وبين النار حائل ، يكون الشواء عليه لا مدفوناً له ، والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل{[6424]} لينتصب عرقه .
وتأكيد الخبر بحرف ( قد ) للاهتمام به كما تقدّم في قوله : { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } [ هود : 25 ] .
والغرض من هذه القصّة هو : الموعظة بمصير قوم لوط إذْ عصوا رسول ربّهم فحلّ بهم العذاب ولم تغن عنهم مجادلة إبراهيم . وقدّمت قصة إبراهيم لذلك وللتنويه بمقامه عند ربّه على وجه الإدماج ، ولذلك غيّر أسلوب الحكاية في القصص الّتي قبلها والتي بعدها نحو { وإلى عاد } [ هود : 50 ] إلخ .
والرّسل : الملائكة . قال تعالى : { جاعل الملائكة رسلاً } [ فاطر : 1 ] .
والبشرى : اسم . للتبشير والبشارة . وتقدّم عند قوله تعالى : { وبشّر الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات } في أوّل سورة [ البقرة : 25 ] . هذه البشرى هي التي في قوله : فبشّرناها بإسحاق } لأنّ بشارة زوجه بابننٍ بشارة له أيضاً .
والباء في { بالبشرى } للمصاحبة لأنّهم جاءوا لأجل البشرى فهي مصاحبة لهم كمصاحبة الرسالة للمرسل بها .
وجملة { قالوا سلاماً } في موضع البيان ل { البشرى } ، لأنّ قولهم ذلك مبدأ البشرى ، وإنّ ما اعترض بينها حكاية أحوال ، وقد انتهى إليها في قوله : { فبشّرناها بإسحاق إلى قوله إنّه حميد مجيد } .
والسّلام : التحيّة . وتقدّم في قوله : { وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم } في سورة [ الأنعام : 54 ] .
وسلاماً } مفعول مطلق وقع بَدَلاً من الفعل . والتّقدير : سلّمنا سلاماً .
و { سلام } المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : أمري سلام ، أي لكم ، مثل { فصبرٌ جميلٌ } [ يوسف : 18 ] . ورفع المصدر أبلغ من نصبه ، لأنّ الرّفع فيه تناسي معنى الفعل فهو أدلّ على الدّوام والثّبات . ولذلك خالف بينهما للدّلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام ردّ السّلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام .
قال ابن عطيّة : حيّاً الخليل بأحسن ممّا حُيّيَ به ، أي نظراً إلى الأدب الإلهي الذي عَلّمَهُ لَنَا في القرآن بقوله : { وإذا حيّيتم بتحيةٍ فَحَيّوا بأحسن منها أو رُدُّوها } [ النساء : 86 ] ، فَحكيَ ذلك بأوجز لفظ في العربية أداءً لمعنى كلام إبراهيم عليه السّلام في الكلدانيّة .
وقرأ الجمهور { قال سَلامٌ } بفتح السّين وبِألِف بعد اللاّم . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : { قال سِلْم } بكسر السّين وبدون ألِف بعد اللاّم وهو اسم المسالمة . وسمّيت به التحية كما سمّيت بمرادفِه ( سَلام ) فهو من باب اتّحاد وزن فَعال وفِعْل في بعض الصفات مثل : حرام وحِرم ، وحلال وحلّ .
والفاء في قوله : { فما لبث } للدّلالة على التعقيب إسراعاً في إكرام الضّيف ، وتعجيل القرى سنّة عربيّة : ظنهم إبراهيم عليه السّلام ناساً فبادر إلى قراهم .
واللّبث في المكان يقتضي الانتقال عنه ، أيْ فما أبطأ . و { أن جاء } يجوز أن يكون فاعل { لَبِثَ } ، أي فما لبث مجيئه بعجل حنيذ ، أي فما أبطأ مَجيئه مصاحباً له ، أي بل عجّل . ويجوز جعل فاعل { لبث } ضمير إبراهيم عليه السّلام فيقدّر جارّ ل { جاء } .
والتّقدير : فما لبث بأن جاء به . وانتفاء اللبث مبالغة في العجل .
والحنيذ : المشوي ، وهو المحنوذ . والشيُّ أسْرَع من الطبخ ، فهو أعون على تعجيل إحضار الطعام للضيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.