فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

{ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم } بسكون السين وضمها حيثما وقع مضافا إلى الضمير بخلاف ما إذا أضيف إلى مظهر فليس فيه إلا ضمها ، وهذا شروع في قصة إبراهيم لكنها مذكورة هنا توطئة لقصة لوط لا استقلالا ولذا لم يذكرها على أسلوب ما قبلها وما بعدها فلم يقل وأرسلنا إبراهيم على كذا ، وعاش إبراهيم من العمر مائة وخمسا وسبعين سنة وبينه وبين نوح ألفا سنة وستمائة سنة وأربعون سنة ، وابنه إسحاق عاش مائة وثمانين سنة ويعقوب ابن إسحاق عاش مائة وخمسا وأربعين سنة ولوط عليه السلام هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام .

وكانت قرى قوم لوط بنواحي الشام وإبراهيم ببلاد فلسطين فلما نزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده وكان كل من نزل عنده يحسن قراه وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذا البشارة الآتية فظنهم أضيافا وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قاله عطاء ، وقيل كانوا تسعة قاله الضحاك ، وقيل لا أحد عشر قاله السدي وقيل اثني عشر قاله مقاتل وقيل كان جبريل ومعه سبعة أملاك قاله محمد ابن كعب القرظي والأول أولى لأن أقل الجمع ثلاثة .

{ بالبشرى } التي بشروه به هي بشارته بالولد وقيل إهلاك قوم لوط ، والأول أولى { قالوا سلاما } أي سلمنا عليك سلاما وهذه تحيتهم التي وقعت منهم وهي لفظ سلاما { قال } لهم إبراهيم { سلام } أي أمركم سلام أو عليكم سلام وهذه التحية الواقعة منه جوابا وهي لفظ سلام وحياهم بالجملة الاسمية في جواب تحيتهم بالفعلية ومن المعلوم أن الأولى أبلغ من الثانية فكانت تحيته من تحيتهم كما قال تعالى { فحيوا بأحسن منها } .

{ فما لبث } أي إبراهيم { أن جاء بعجل حنيذ } قال أكثر النحاة { إن } هنا بمعنى حتى وقيل التقدير فما لبث عن أن جاء أي ما أبطأ إبراهيم مجيئه وقيل إن ما موصولة والتقدير فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه والحنيذ المشوي مطلقا .

وقيل المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار ، وهذا من فعل أهل البادية يقال حنذ الشاة يحنذها جعلها فوق حجارة محماة لينضجها فهي حنيذ وقيل هو سمين وقيل هو السميط وقيل النضيج وهو فعيل بمعنى مفعول وإنما جاءهم بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله .