معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

وقوله : { سَلاَما قَالَ سِلْمُ69 }

قرأها يحيى ابن وَثَّاب وإبراهيم النَخَعِيَّ . وذُكر عن النبي صلى الله عليْه وسلم أنه قرأ بها . وهو في المعنى سلام كما قالوا حِلّ وحَلاَل ، وحِرْم وحَرَام لأن التفسير جاء : سَلَّمُوا علْيه فردَّ عليهم . فترى أن معنى سِلْم وسلام واحد والله أعلم . وأنشدني بعض العرب :

مررنا فقلنا إيه سِلْم فسلَّمت *** كما اكتلَّ بالبرق الغمامُ اللوائح

فهذا دليل على أنهم سَلَّموا فرَدَّت عليهم . وقرأه العامَّة ( قَالُواْ سَلاَما قَالَ سَلاَمٌ ) نصَب الأول ورَفَع الثاني . ولو كانا جميعاً رفعاً ونصباً كان صواباً . فمن رَفع أضمر ( عليكم ) وإن لم يظهرها كما قال الشاعر :

فقلنا السلامُ فاتَّقت من أميرها *** فما كان إلاَّ وَمْؤها بالحواجب

والعرب تقول : التقينا فقلنا : سَلامٌ سلام . وحُجَّة أخرى في رفعه الآخر أن القوم سَلَّموا ، فقال حين أنكرهم : هو سلام إن شاء الله فمن أنتم لإنكاره إيَّاهم . وهو وجه حسن . ويقال في هذا المعنى : نحن سِلْم لأن التسليم لا يكون من قومٍ عَدُوًّ . وقوله : { فَما لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أن في موضع نصب توقع ( لبِث ) عليها ، كأنّك قلت : فما أبطأ عن مجيئه بعجل : فلما ألقيت الصفة وقع الفعل عَليها . وقد تكون رفعاً تجعل لبِث فعلا لأنْ كأنك قلت فما أبطأ مجيئُه بعجلٍ حنِيذ : والحنيذ : ما حَفَرْت له في الأرض ثم غممته . وهو من فعل أهل البادية معروف . وهو محنوذ في الأصل فقيل : حَنِيذ ، كما قيل : طَبيخ للمطبوخ ، وقتيل للمقتول .