فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

هذه قصة لوط عليه السلام وقومه ، وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام ، وكانت قرى لوط بنواحي الشام ، وإبراهيم ببلاد فلسطين . فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط ، مرّوا بإبراهيم ونزلوا عنده ، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه ، وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذه البشارة المذكورة ، فظنهم أضيافاً ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل . وقيل : كانوا تسعة . وقيل : أحد عشر ، والبشرى التي بشروه بها هي بشارته بالولد . وقيل : بإهلاك قوم لوط . والأولى أولى { قَالُواْ سَلاَماً } منصوب بفعل مقدر : أي سلمنا عليك سلاماً { قَالَ سلام } ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي أمركم سلام ، أو مرتفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير : عليكم سلام { فَمَا لَبِثَ } أي : إبراهيم { أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } قال أكثر النحويين «أن » هنا بمعنى حتى أي : فما لبث حتى جاء . وقيل : إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر ، والتقدير فما لبث عن أن جاء : أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل ، وما نافية قاله : سيبويه . وقال الفراء : فما لبث مجيئه ، أي ما أبطأ مجيئه . وقيل : إن ما موصولة وهي : مبتدأ والخبر أن جاء بعجل حنيذ . والتقدير : فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ ، والحنيذ : المشويّ مطلقاً . وقيل : المشويّ بحرّ الحجارة من غير أن تمسه النار ، يقال : حنذ الشاة يحنذها : جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي : حنيذ . وقيل : معنى حنيذ : سمين . وقيل : الحنيذ : هو : السميط . وقيل : النضيج ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، وإنما جاءهم بعجل ، لأن البقر كانت أكثر أمواله .

/خ76