الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

قوله تعالى : { قَالُواْ سَلاَماً } : في نصبه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول به ، ثم هو محتملٌ لأمرين ، أحدهما : أن يراد قالوا هذا اللفظ بعينه ، وجاز ذلك لأنه يتضمَّن معنى الكلام . والثاني : أنه أراد قالوا معنى هذا اللفظ ، وقد تقدم ذلك في نحو قولِه تعالى : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [ البقرة : 58 ] . وثاني الوجهين : أن يكون منصوباً على المصدر بفعل محذوف ، وذلك الفعل في محل نصب بالقول ، تقديرُه : قالوا : سَلَّمْنا سلاماً ، وهو من باب ما ناب فيه المصدرُ عن العامل فيه ، وهو واجبُ الإِضمار .

قوله : { قَالَ سَلاَمٌ } في رفعه وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ ، أي : سلامٌ عليكم . والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : أمري أو قولي سلام . وقد تقدَّم أولَ هذا الموضعِ أن الرفعَ أدلُّ على الثبوت من النصب ، والجملة بأسرها وإن كان أحدُ جُزْأيها محذوفاً في محل نصب بالقول كقوله :

2676 إذا ذُقْتُ فاها قلت طعمُ مُدامةٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقرأ الأخوان : " قال سِلْم " هنا وفي سورة الذاريات بكسر السين وسكون اللام . ويلزم بالضرورة سقوطُ الألف فقيل : هما لغتان كحِرْم وحَرام وحِلٌّ وحَلال ، وأنشد :

2677 مَرَرْنا فقُلنا إيه سِلْمٌ فسَلَّمَتْ *** كما اكْتَلَّ بالبرق الغمامُ اللوائحُ

يريد : سلام ، بدليل : فسلَّمت . وقيل : " السِلْم " بالكسر ضد الحرب ، وناسَب ذلك لأنه نَكِرَهم فقال : أنا مسالمكم غيرُ محارِب لكم

قوله : { فَمَا لَبِثَ } يجوزُ في " ما " هذه ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنها نافيةٌ ، وفي فاعل " لَبث " حينئذ وجهان ، أحدهما : أنه ضميرٌ إبراهيم عليه السلام ، أي : فما لبث إبراهيم ، وإن جاء على إسقاطِ الخافض ، فقدَّروه بالباء وب " عن " وب " في " ، أي : فما تأخر في أَنْ ، أو بأن ، أو عن أن . والثاني : أن الفاعل قوله : " أن جاء " ، والتقدير : فلما لبث ، أي : ما أبطأ ولا تأخَّر مجيئُه بعجل سمين .

وثاني الأوجه : أنها مصدريةٌ ، وثالثها : أنها بمعنى الذي . وهي في الوجهين الأخيرين مبتدأ ، وإن جاء خبرُه على حَذْف مضاف تقديره : فلُبْثُه أو الذي لَبِثه قَدْرَ مجيئه .

والحَنيذ : المَشْويُّ بالرصْف في أخدود . حَنَذْتُ الشاةَ أَحْنِذُها حَنْزاً فهي حَنيذ ، أي محنوذة . وقيل : حنيذ بمعنى يَقْطُرُ دَسَمُه من قولهم : حَنَذْتُ الفرس ، أي : سُقْتُه شوطاً أو شوطين وتضع عليه الجُلَّ في الشمس ليَعْرَق .