تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

وقوله تعالى : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) اختلفوا في هذه البشارة ؛ قال البشارة ؛ قال بعضهم : جاؤوهم ببشارة إسحاق وحافده[ في الأصل وم : وحافد ] ، وهو قوله : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب )[ الآية : 71 ] ، وقال بعضهم : جاؤوا ببشارة إهلاك قوم لوط وإنجاء لوط وأهله ؛ قيل : لأن لوطا كان ابن أخي إبراهيم ، وكان لوط ، فزع إلى الله بسوء عمل قومه وصنعهم ، ودعا بالنجاة منهم ، وهو قوله : ( إني لعملكم من القالين )الآية[ الشعراء : 168 ] حتى ذكر في بعض القصة أن سارة قالت لإبراهيم : ضم ابن أخيك إلى نفسك فإن قومه يعذبونه كأنها عرفت أنه لا يتركهم على ما هم عليه بسوء عملهم .

قالوا بالبشارتين جميعا بشارة الولد والحافد وبشارة هلاك قوم لوط ونجاة لوط وأهله . إلى هذا يذهب بعض أهل التأويل .

وقوله تعالى : ( قالوا سلاما قال سلام ) هذا يدل أن السلام هو سنة الأنبياء والرسل والملائكة في الدنيا والآخرة ، لم تخص هذه الأمة ، بل كانت[ من م ، في الأصل : كان ] سنة الرسل الماضية والأمم السالفة . هو تحية أهل الجنة كقوله[ في الأصل وم : بقوله ] : ( سلام عليكم طبتم )[ الزمر : 73 ] ونحوه . هذا يدل ما ذكرنا .

ثم انتصاب قوله : ( سلاما ) وارتفاع الثاني لأن الأول انتصب لوقوع القول كقولك : قال : قولا ، [ وارتفع الثاني ][ في الأصل وم : والثاني ] حكاية لقولهم .

وقوله تعالى : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) وقوله : ( فما لبث أن جاء ) أي ما لبث عندهم حتى اشتغل بتقديم شيء إليهم ، وإلا قد يكون في ذبح العجل وشويه لبث إلا أن يكون العجل مشويا . فإن لم يكن مشويا فتأويله ما ذكرنا أن لم يلبث عندهم في المؤانسة والحديث معهم على ما يفعل مع الأضياف حتى جاء بما ذكر .

وفيه ما ذكرنا من الأدب ، وفيه دلالة في من نزل به ضيف ألا يشتغل بالسؤال عن أحوال ضيفه : من أين ؟ وإلى أين ؟ وما حاجتهم ؟ ولكن يشتغل بقراهم وإزاحة حاجتهم ؛ لأن إبراهيم ، صلوات الله تعالى عليه ، إنما اشتغل بقراهم ، لم يشتغل بالسؤال عن أحوالهم ، ولكن اشتغل بما ذكر : ( أن جاء بعجل حنيذ ) وهذا هو الأدب للضيف[ في الأصل وم : بالضيف ] . ألا ترى أنه لو كان سأل عن أحولهم ، فعرف أنهم من الملائكة لكان لا يشتغل بما ذكرنا إذا عرف أنهم من الملائكة ، لا يتناولون شيئا من الطعام ؟

وقوله تعالى : ( بعجل /243-أ/ حنيذ ) قال بعضهم : الحنيذ السمين ، وهو ما ذكر في موضع آخر ( فجاء بعجل سمين )[ الذاريات : 26 ] . وقال بعضهم : الحنيد المشوي الذي حنذ في الأرض ؛ حنذ فحُمي : شوي بالحجر المحمي .

وقال بعضهم : الحنيذ هو المشوي الذي يسيل منه الماء . وقال ابن عباس : هو نضيج ، الحنيذ النضيج .