السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

القصة الرابعة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى : { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } ، أي : بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، والمراد بالرسل الملائكة ، ولفظ رسلنا جمع وأقله ثلاثة ، واختلف في الزائد على ذلك وأجمعوا على أنّ الأصل فيهم كان جبريل عليه السلام ، واقتصر ابن عباس وعطاء على أقل الجمع فقالا : كانوا ثلاثة : جبريل وميكائيل وإسرافيل وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الذاريات بقوله تعالى : { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } [ الذاريات ، 24 ] ، وفي الحجر : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } [ الحجر ، 51 ] . وقال الضحاك : كانوا تسعة . وقال محمد بن كعب القرظي : كان جبريل ومعه سبعة أملاك . وقال السدي : كان جبريل ومعه أحد عشر ملكاً على صورة الغلمان الذين يكونون في غاية الحسن . قال النحويون : ودخلت كلمة قد هاهنا ؛ لأنّ السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة ، وقد للتوقع ، ودخلت اللام في { لقد } لتأكيد الخبر . { قالوا سلاماً } ، أي : سلمنا عليك سلاماً ، ويجوز نصبه بقالوا على معنى ذكروا سلاماً ، أي : سلموا { قال سلام } ، أي : أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام .

تنبيه : قوله : { سلام } أكمل من قوله السلام ، لأنّ التنكير يفيد الكمال والمبالغة والتمام ، ولهذا صح وقوعه مبتدأ ؛ لأنّ النكرة إذا كانت موصوفة جاز جعلها مبتدأ ، أو لفظ السلام فإنه لا يفيد إلا الماهية . فإن قيل : فلأي شيء ما كفى الأوّل في التحلل من الصلاة عند النوويّ ؟ أجيب : بأنّ ذلك سنة متبعة . وقرأ حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام ولا ألف بعدها ، والباقون بفتح السين واللام وبعدها ألف . قال الفراء : ولا فرق بين القراءتين كما يقال حل وحلال وحرم وحرام . وقيل سلم هو بمعنى الصلح ، أي : نحن سلم صلح غير حرب . { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } ، أي : فما أبطأ مجيئه به . والحنيذ : المشوي على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض ، وكان سميناً يقطر ودكه . كما قال تعالى في موضع آخر : { فجاء بعجل سمين } [ الذاريات ، 26 ] . قال قتادة : كان عامة مال إبراهيم البقر . روي أنّ إبراهيم عليه السلام مكث خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتمّ لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه ، فلما جاءته الملائكة رأى أضيافاً لم ير مثلهم فعجل قراهم وجاء بعجل سمين مشوي .