المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

وقوله تعالى : { في جيدها حبل من مسد } قال ابن عباس ، والضحاك والسدي ، وابن زيد : الإشارة إلى الحبل حقيقة ، وهو الذي ربطت به الشوك وحطبه ، قال السدي : ( والمسد ) : الليف ، وقيل : ليف المقل ، ذكره أبو الفتح ، وقال ابن زيد : هو شجر باليمن يسمى المسد ، تصنع منه الحبال ، وقال النابغة :

مقذوفة بدخيس النحض بازلها *** له صريف صريف القعو بالمسد{[12022]}

القعو : البكرة ، والمسد : الحبل . وقال عروة بن الزبير ، ومجاهد وغيرهما : هذا الكلام استعارة ، والمراد سلسلة من حديد في جهنم ، ذرعها سبعون ذراعا ، ونحو هذا من العبارات ، وقال قتادة : { حبل من مسد{ : قلادة من ودع ، قال ابن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة ، فقالت : لأنفقنها على عداوة محمد .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

فإنما عبر عن قلادتها بحبل من مسد على جهة التفاؤل لها ، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث ، وروي في الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت بلغت أم جميل ، فجاءت أبا بكر رضي الله عنه وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقالت : يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجاني ، ولأفعلن ولأفعلن ، وإني لشاعرة ، وقد قلت فيه :

مذمما قلينا *** ودينه أبينا

فسكت أبو بكر ومضت هي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني ، وكفى الله شرها{[12023]} " .

كمل تفسير سورة المسد والحمد لله رب العالمين .


[12022]:هذا البيت من دالية النابغة التي قالها يمدح النعمان بن المنذر ويعتذر إليه عما بلغه عنه في أمر المتجردة، والبيت في وصف الناقة، ومقذوفة، مرمي عليها، على سبيل الاستعارة، إذ استعار القذف لإعطاء الشيء، والدخيس: الممتلىء بالسمن، والنحض: اللحم، والبازل: الذي كبر وظهرت أنيابه، والصريف: الصوت القوي، وانتصب (صريف) على المفعول المطلق، والقعو –بفتح القاف وسكون العين-: بكرة السقي إذا كانت من الخشب، والمسد: الحبل. ويروى (صريف، صريف القعو) بضم (صريف) الثانية، وهذا على البدل من الأولى.
[12023]:سبق أن أشرنا إلى هذا في تخريج أول حديث في هذه السورة. وكانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم مذمما، يريدون بذلك سبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش؟ يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد).