تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

الآية54 : وقوله تعالى : { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل } : { ولقد صرفنا } قد ذكرنا ، وبَيَّنَا في غير موضع .

وقوله تعالى : { من كل مثل } يحتمل وجهين :

أحدهما : { من كل مثل } أي من كل صفة كقوله : { وله المثل الأعلى } ( الروم : 27 ) أي الصفات العليا .

والثاني : المثل هو الشبيه كقوله : { ليس كمثله شيء } ( الشورى : 11 ) فإن كان التأويل الشبيه فكأنه يقول ، والله أعلم ، { ولقد صرفنا } أي بينا في هذا القرآن { من كل مثل } من كل ما بهم حاجة إلى معرفة ما غاب عنهم ؛ جعل لهم شبيها مما شاهدوا ، أو عرفوا ، ليعرفوا به ما غاب عنهم .

وإن كان تأويل المثل الصفة فكأنه يقول : ولقد بينا في هذا القرآن من كل ما يؤتى وما يتقى صفة ، يعرفون بها ما لهم و ما عليهم ، وما يأتون ، وما يتقون{[11677]} ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } قال أهل التأويل : { وكان الإنسان } يعني الكافر{ أكثر شيء جدل } أي جدالا كقوله : { ويجادل الذين كفروا بالباطل } ( الكهف : 56 ) .

ويشبه أن يكون قوله : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } أي جوهر الإنسان { أكثر شيء جدلا } من غيره{[11678]} من الجواهر ، لأن الجن لما عرض عليهم القرآن والآيات قبلوها على غير مجادلة ذكرت حين{[11679]} قالوا : { إنا سمعنا قرءانا عجبا } الآية ( الجن : 1 ) وكذلك الملائكة لم يذكر منهم الجدال ولا المُحَاجَّةُ في ذلك .

وقد ظهر ( من ){[11680]} جوهر الإنسان المجادلات والمحاجات في الآيات والحجج .

من ذلك قوله : { هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم } الآية ( آل عمرن : 66 ) وقوله{[11681]} : { وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل : 125 ) وقوله : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } ( العنكبوت : 46 ) وقوله : { ويجادل الذين كفروا بالباطل } ( الكهف : 56 ) وأمثال هذا . ولذلك احتيج إلى إنزال كثرة الآيات لكثرة ما ظهر منهم من المجادلة ، وفيه الإذن بالمجادلة والمُحَاجَّة في الذين على الوصف الذي ذكر ، ولله أعلم .


[11677]:في الأصل و.م: يسبقون.
[11678]:في الأصل و.م: غيرهم.
[11679]:في الأصل و.م: حيث.
[11680]:ساقطة من الأصل و.م.
[11681]:من م، في لأصل وقولهم.