السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

ولما افتخر هؤلاء الكفار على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم وبيّن اللّه تعالى الوجوه الكثيرة أن قولهم فاسد وشبههم باطلة ذكر فيه المثلين المتقدّمين ثم قال بعده : { ولقد صرّفنا } وأظهر نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم الدال وأدغمها الباقون { في هذا القرآن } أي : القيم الذي لا عوج فيه مع جمعه للمعاني { للناس } أي : المزلزلين والثابتين وقوله : { من كل مثل } صفة لمحذوف أي : مثلاً من جنس كل مثل ليتعظوا أو أنّا حولنا الكلام وصرّفناه في كل وجه من وجوه المعاني وألبسناه من العبارات الرائقة والأساليب المتناسقة ما صار بها في غرابته كالمثل يقبله كل من سمعه وتضرب به آباط الأبل في سائر البلاد بين العباد فتسر به قلوبهم وتلهج به ألسنتهم فلم يقبلوه ولم يتركوا المجادلة الباطلة كما قال تعالى : { وكان الإنسان أكثر شيء } يتأتى منه الجدال وميز الأكثرية بقوله تعالى : { جدلاً } أي : خصومة ، قال بعض المحققين والآية دالة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جادلوهم في الدين لأنّ المجادلة لا تحصل إلا من الطرفين ولهذا قيل : أراد بالإنسان الكافر ، وقيل الآية على العموم ، قال ابن الخازن : وهو الأصح وكذا قال البغوي فعن عليّ رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ورضي اللّه تعالى عنها ليلة فقال : ألا تصليان ؟ فقلت : يا رسول اللّه أنفسنا بيد اللّه فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } وقال ابن عباس : أراد النضر بن الحارث وجداًله في القرآن ، وقال الكلبي : أراد به خلفاً الجمحي .