إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ} (81)

{ ولسليمان الريح } أي وسخرنا له الريحَ ، وإيرادُ اللام هاهنا دون الأول للدِلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت ، فإن تسخيرَ ما سخر له عليه السلام من الريح وغيرِها كان بطريق الانقيادِ الكليِّ له والامتثالِ بأمره ونهيِه والمقهوريةِ تحت ملكوتِه ، وأما تسخيرُ الجبال والطيرِ لداودَ عليه السلام فلم يكن بهذه المثابة بل بطريق التبعيةِ له عليه السلام والاقتداء به في عبادة الله عز وعلا { عَاصِفَةً } حالٌ من الريح والعاملُ فيها الفعلُ المقدرُ ، أي وسخرنا له الريحَ حالَ كونِها شديدةَ الهبوبِ من حيث أنها كانت تبعُد بكرسيه في مدة يسيرة من الزمان كما قال تعالى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } وكانت رُخاءً{[546]} في نفسها طيبةً ، وقيل : كانت رُخاءً تارة وعاصفةً أخرى حسب إرادتِه عليه الصلاة والسلام ، وقرئ الريحُ بالرفع على الابتداء والخبرُ هو الظرفُ المقدم وعاصفةً حينئذ حال من ضمير المبتدأ في الخبر والعاملُ ما فيه من معنى الاستقرارِ ، وقرئ الرياح نصباً ورفعاً { تَجْرِي بِأَمْرِهِ } بمشيئته حالٌ ثانية أو بدلٌ من الأولى أو حال من ضميرها { إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا } وهي الشام رَواحاً بعد ما سار به منه بكرةً ، قال الكلبي : كان سليمانُ عليه السلام وقومه يركبون عليها من اصطخْرَ{[547]} إلى الشام وإلى حيث شاء ثم يعود إلى منزله { وَكُنَّا بِكُلّ شَيء عالمين } فنُجريه حسبما تقتضيه الحِكمة .


[546]:الرخاء: الريح اللينة.
[547]:اصطخر: بلدة بفارس.