نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةٗ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيۡءٍ عَٰلِمِينَ} (81)

ولما كان قد سخر لابنه سليمان عليه السلام الريح التي هي أقوى من بقية العناصر قال : { ولسليمان } معبراً باللام لأنها كانت تحت أمره لنفعه ولا إبهام في العبارة { الريح } قال البغوي{[51489]} : وهي جسم لطيف يمتنع {[51490]}بلطفه من القبض{[51491]} عليه ، ويظهر للحس بحركته ، وكان سليمان عليه السلام يأمر بالخشب فيضرب له ، فإذا حمل عليه ما يريد من الدواب ، الناس وآلة الحرب أمر العاصفة فدخلت تحت الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء تمر به شهراً في غدوته وشهراً في روحته - انتهى ملخصاً . فكان الريحان مسخرتين له ، ولكن لما كان السياق هنا لبيان الإقدار على الأفعال الغريبة الهائلة ، قال : { عاصفة } أي شديدة الهبوب ، هذا باعتبار عملها ، ووصفت بالرخاء باعتبار لطفها بهم فلا يجدون لها مشقة{[51492]} { تجري بأمره } إذا أمرها غادية ورائحة ذاهبة {[51493]}إلى حيث أراد{[51494]} وعائدة على{[51495]} حسب ما يريد ، آية في آية .

ولما كان قد علم مما مضى من القرآن لحامله المعتني بتفهم{[51496]} معانيه ، ومعرفة أخبار من ذكر فيه ، أنه{[51497]} من بني إسرائيل ، وأن قراره بالأرض المقدسة فكان من المعلوم أنه يجريها إلى غيره{[51498]} ، وكان الحامل إلى مكان ربما تعذر عوده مع{[51499]} المحمول ، عبر بحرف الغاية ذاكراً محل القرار دلالة على أنها كما تحمله ذهاباً إلى حيث أراد من قاص ودان - تحمله إلى قراره أياماً فقال : { إلى الأرض التي باركنا } {[51500]}أي بعزتنا{[51501]} { فيها } وهي الشام { وكنا } {[51502]}أي أزلاً وأبداً بإحاطة العظمة{[51503]} { بكل شي } من هذا وغيره {[51504]}من أمره وغيره{[51505]} { عالمين* } فكنا على كل شيء قادرين ، فلولا رضانا به لغيرناه عليه كما غيرنا{[51506]} على من قدمنا أمورهم ، وهذا من طراز { قل ربي يعلم القول } كما مضى ، وتسخير الريح له{[51507]} كما سخرت للنبي صلى الله عليه وسلم ليالي الأحزاب ، قال حذيفة رضي الله عنه : حتى كانت تقذفهم بالحجارة ، ما تجاوز عسكرهم فهزمهم الله بها وردوا بغيظهم لم ينالوا خيراً .

{[51508]}وأعم من جميع ما أعطى الأنبياء عليهم السلام أنه أعطى صلى الله عليه وسلم التصرف في العالم العلوي الذي جعل سبحانه من الفيض على العالم السفلي بالاختراق لطباقه بالإسراء تارة ، وبإمساك المطر لما دعا بسبع كسبع{[51509]} يوسف ، وبإرساله أخرى كما في أحاديث كثيرة ، وأتي مع ذلك بمفاتيح خزائن الأرض كلها فردها صلى الله عليه وسلم .


[51489]:راجع المعالم بهامش اللباب 4 / 248.
[51490]:من المعالم، وفي النسخ: من لطفه بالقبض.
[51491]:من المعالم وفي النسخ: من لطفه بالقبض.
[51492]:من مد وفي الأصل: شفة والعبارة من "هذا باعتبار" إلى هنا ساقطة من ظ.
[51493]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51494]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51495]:من مد، وفي الأصل: إلى والعبارة من هنا بما فيها هذه الكلمة ساقطة من ظ إلى "أياما فقال" ص 459 س1.
[51496]:من مد، وفي الأصل: فيفهم.
[51497]:من مد، وفي الأصل: آية.
[51498]:من مد وفي الأصل: غيرها.
[51499]:من مد، وفي الأصل: من.
[51500]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51501]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51502]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51503]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51504]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51505]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[51506]:في مد: غير.
[51507]:زيد من ظ ومد.
[51508]:العبارة من هنا إلى "فردها صلى الله عليه وسلم" ساقطة من ظ.
[51509]:من مد، وفي الأصل: كنى، والحديث رواه البخاري في الدعوات والترمذي في التفسير وقد مر التعليق عليه.