واختلف المتأولون في المراد بقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } فقالت طائفة منهم قتادة وأبو العالية : الآية في اليهود والنصارى ، آمنت اليهود بموسى والتوراة ثم كفروا ، وآمنت النصارى بعيسى والإنجيل ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ورجح الطبري هذا القول ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الآية في الطائفة من أهل الكتاب التي قالت { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره }{[4329]} وقال مجاهد وابن زيد : الآية في المنافقين ، فإن منهم من كان يؤمن ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر ، يتردد في ذلك ، فنزلت هذه الآية فيمن ازداد كفراً بأن تم على نفاقه حتى مات .
قال القاضي : وهذا هو القول المترجح ، وقول الحسن بن أبي الحسن جيد محتمل ، وقول قتادة وأبي العالية وهو الذي رجح الطبري قول ضعيف ، تدفعه ألفاظ الآية ، وذلك أن الآية إنما هي في طائفة يتصف كل واحد منها بهذه الصفة من التردد بين الكفر والإيمان ، ثم يزداد كفراً بالموافاة ، واليهود والنصارى لم يترتب في واحد منهم إلا إيمان واحد وكفر واحد ، وإنما يتخيل فيهم الإيمان والكفر مع تلفيق الطوائف التي لم تتلاحق في زمان واحد ، وليس هذا مقصد الآية{[4330]} ، وإنما توجد هذه الصفة في شخص من المنافقين ، لأن الرجل الواحد منهم يؤمن ثم يكفر ، ثم يوافي على الكفر وتأمل قوله تعالى : { لم يكن الله ليغفر لهم } فإنها عبارة تقتضي أن هؤلاء محتوم عليهم من أول أمرهم ، ولذلك ترددوا وليست هذه العبارة مثل أن يقول : لا يغفر الله لهم ، بل هي أشد ، وهي مشيرة إلى استدراج من هذه حاله وإهلاكه{[4331]} ، وهي عبارة تقتضي لسامعها أن ينتبه ويراجع قبل نفوذ الحتم عليه ، وأن يكون من هؤلاء ، وكل من كفر كفراً واحداً ووافى عليه فقد قال الله تعالى : إنه لا يغفر له ، ولم يقل { لم يكن الله ليغفر له } فتأمل الفرق بين العبارتين فإنه من دقيق غرائب الفصاحة التي في كتاب الله تعالى ، كأن قوله { لم يكن الله } حكم قد تقرر عليهم في الدنيا وهم أحياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.