فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا} (137)

أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ، ثم كفرت ، ثم ازدادت كفراً بعد ذلك كله ، أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ، ولا ليهديهم سبيلاً يتوصلون به إلى الحق ، ويسلكونه إلى الخير ؛ لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ، ويؤمنوا إيماناً صحيحاً ، فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدّعون أنهم مؤمنون ، وتارة يمرقون من الإيمان ويرجعون إلى ما هو دأبهم ، وشأنهم من الكفر المستمرّ ، والجحود الدائم يدلّ أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ، ليست لهم نية صحيحة ، ولا قصد خالص . قيل المراد بهؤلاء : اليهود فإنهم آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعزير ، ثم آمنوا بعزير ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ وقيل : آمنوا بموسى ، ثم كفروا به بعبادتهم العجل ، ثم آمنوا به عند عوده إليهم ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالآية : أنهم ازدادوا كفراً واستمروا على ذلك كما هو الظاهر من حالهم ، وإلا فالكافر إذا آمن وأخلص إيمانه ، وأقلع عن الكفر ، فقد هداه الله السبيل الموجب للمغفرة ، «والإسلام يجبّ ما قبله » ، ولكن لما كان هذا مستبعداً منهم جداً كان غفران ذنوبهم ، وهدايتهم إلى سبيل الحق مستبعداً .

/خ141