تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا} (137)

الآية 137

وقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفر ولم يكن } عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6669]} قال : ( نزلت الآية في الذين قال الله تعالى في سورة /117-أ / آل عمران : { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق } ؟ ( الآية 86 ) .

وقيل : إنها نزلت في الذين آمنوا بموسى عليه السلام ثم كفروا لعد موسى ، ثم آمنوا بعزيز ، ثم كفروا بعده ، ثم آمنوا بعيسى عليه السلام وبالإنجيل ، ثم كفروا من بعده { ثم ازدادوا كفرا } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الكريم ، وهو الأولى .

وقيل غير هذا . لكن ليس بنا إلى أنها فيهم نزلت حاجة ، ولكن فيه دليل أنها في قوم ، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ، ولا يتوبون ، لأنه قال : { لمن يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } أخبر أنه لا يغفر لهم ، وهو كقوله تعالى : { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفر لن تقبل توبتهم }( آل عمران : 90 ) لما علم الله أنهم لا يتوبون ، وإلا لو آمنوا ، قبلت توبتهم . فعلى ذلك الأول لما علم أنهم لا يتوبون ؛ على ذلك أخبر أنه لا يغفر لهم .

وفيه دليل أن تقبل توبة المرتد إذا تاب ، ليس كما قال بعض الناس : إنه لا يقبل توبة المرتد لأنه أثبت لهم الإيمان بعدد الكفر والارتداد بقوله : { آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم } كذا ، فدل أنه إذا تاب تقبل منه .

وقال أصحابنا : يستتاب المرتد ثلاثا ، فإن أسلم ، وإلا قتل . روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أنه ){[6670]} قال : ( يستتاب المرتد ثلاثا ، ثم تلا هذه الآية ) . وعن ابن عمر رضي الله عنه كذلك . ولحق المشركين ، فأخذناه . قال : ما صنعتم به ؟ قال{[6671]} : قتلناه . قال : هلا أدخلتموه بيتا ، وأغلقتم عليه بابا ؛ أطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ثلاثا ؟ فإن تاب ، وإلا قتلتموه ، ثم قال : اللهم إني لم أشهد ، ولم آمر ، ولم أرض حين بلغني ) .

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : ( إذا ارتد ثلاثا ، ثم تاب في كل مرة ، فإنه يحبس في الثالثة ، إذا تاب حتى يظهر منه خشوع التوبة ؛ وذلك إثر الثبات على التوبة{[6672]} ، لأنه أظهر الفسق ، والفاسق يحبس حتى يظهر خشوع التوبة ( عليه ){[6673]} .

وقوله تعالى : { لم يكن الله لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } لا يحتمل أن يكون أراد بقوله : { ولا ليهديهم سبيلا } البيان على ما قاله قوم لأنه قد تولى لهم البيان ، لكنهم تعاندوا ، ولم يهتدوا ، فدل أن ثم معنى فيه سوى البيان لم يعطهم لما علم أنهم لا يهتدون أبدا ، وهو التوفيق ، فهذا يرد على من لا يجعل الهدى إلا بيانا إذ قد بين لهم ذلك .


[6669]:ساقطة من الأصل وم.
[6670]:ساقطة من الأصل وم.
[6671]:في الأصل وم: قالوا.
[6672]:في الأصل وم: توبة.
[6673]:ساقطة من الأصل وم.