بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا} (137)

وقوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } قال مقاتل : يعني آمنوا بالتوراة وبموسى عليه السلام ، ثم كفروا من بعد موسى ، { ثم آمنوا } بعيسى عليه السلام والإنجيل ، ثم كفروا من بعده { ثُمَّ ازدادوا كُفْراً } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . ويقال : إن الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعيسى ، ثم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يبعث ، ثم كفروا به بعدما بعث ، { ثم ازدادوا كفرا }ً يعني ثبتوا على كفرهم . وقال في رواية الكلبي : آمنوا بموسى عليه السلام ثم كفروا به بعده ، ثم آمنوا بعزير ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفراً يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال في رواية الضحاك : نزلت في شأن أبي عامر الراهب ، وهو الذي بنى مسجد الضرار ، آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم كفر ، ثم آمن ثم كفر ومات على كفره . وقال الزجاج : يجوز أن يكون محارباً آمن ثم كفر ، ثم آمن ثم كفر ، ويجوز أن يكون منافقاً أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، ثم آمن ثم كفر ، ثم ازداد كفراً بإقامته على النفاق . فإن قيل : إن الله تعالى لا يغفر كفراً مرة واحدة فأيش الفائدة في قوله { إِنَّ الذين آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثم كفروا } ؟ قيل له : لأن الكافر إذا أسلم فقد غفر له ما قد سلف من ذنبه ، فإذا كفر بعد إيمانه لم يغفر الله له الكفر الأول ، فهو مطالب بجميع ما فعل في كفره الأول ، فذلك قوله عز وجل : { لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ } يعني إذا ماتوا على كفرهم { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } أي يوفقهم طريقاً .