المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

وقوله تعالى : { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } الآية ، قال قتادة : إنها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التوراة أمر محمد عليه السلام وتبين لهم الهدى بهذا الوجه ، فلما باشروا أمره حسدوه فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى . وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم . والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر . و : { سول } معناه : أرجاهم سولهم وأمانيهم ، وقال أبو الفتح عن أبي علي أنه بمعنى : دلاهم ، مأخوذ من السول : وهو الاسترخاء والتدلي{[10375]} .

وقرأ جمهور القراء : «وأملى لهم » وأمال ابن كثير وشبل وابن مصرف : «أملى » . وفاعل { أملى } هنا : قال الحسن : هو { الشيطان } جعل وعده الكاذب بالبقاء كالإملاء ، وذلك أن الإملاء هو الإبقاء ملاوة من الدهر ، يقال مُلاوة ومَلاوة ومِلاوة بضم الميم وفتحها وكسرها ، وهي القطعة من الزمن ، ومنه الملوان الليل والنهار ، فإذا أملى الشيطان إملاء لا صحة له إلا بطمعهم الكاذب ، ويحتمل أن يكون الفاعل في { أملى } الله عز وجل ، كأنه قال : الشيطان سول لهم وأملى الله لهم . وحقيقة الإملاء إنما هو بيد الله عز وجل ، وهذا هو الأرجح . وقرأ الأعرج ومجاهد والجحدري والأعمش : «وأُملِي لهم » بضم الهمزة وكسر اللام وإرسال ياء المتكلم ، ورواها الخفاف عن أبي عمرو «وأُمليَ » بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول ، وهي قراءة شيبة وابن سيرين والجحدري وعيسى البصري وعيسى الهمذاني ، وهذا يحتمل فاعله من الخلاف ما في القراءة الأولى .


[10375]:السَّوول: استرخاء البطن، أو سترخاء ما تحت السُّرة من البطن، قال المتنخل الهذلي: كالسحل البيض جلا لونها سح نِجاء الحمل الأسول والحَمَل هو السحاب الأسود، يريد أنه سحاب أسود مسترخ بيِّن الاسترخاء لأنه ثقيل غزير الماء، فالآية إذا كقوله تعالى:{فدلاهما بغرور}، قال ابن جني: وهذا اشتقاق حسن أخذناه عن أبي علي.