اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

قوله : { إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ } رجَعُوا كفاراً { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى } قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بعدما عرفوه ووجدوا نعتَه في كتابهم . وقال ابن عباس والضحاك والسدي : هم المنافقون{[51468]} .

قوله : { الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ } أي زين لهم القبيحَ . وهذه الجملة خبر : { إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ }{[51469]} وتقدم الكلام على سَوَّلَ معنًى واشتقاقاً . وقال الزمخشري هنا : وقد اشتقه من السَّؤلِ من لا عِلْمَ له بالتصريفِ والاشتقاق جميعاً{[51470]} . قال شهاب الدين : كأنه يشير إلى ما قاله ابْنُ بَحْر{[51471]} من أن المعنى أعطاهم سُؤْلَهُمْ . ووجه الغلط فيه أن مادة السّول من السؤال بالهمز ومادة هذا بالواو فافْتَرَقَا ، فلو كان على ما قيل لقيل سأَّل بتشديد الهمزة لا بالواو . وفيما قال الزمخشري نظر ؛ لأن السؤال له مادتان سأل بالهمزة وسال بالألف المنقلبة من واو . وعليه قراءة{[51472]} : «سَالَ سَائِلٌ » وقوله :

4479 سَأَلَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً *** ضَلَّتُ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ{[51473]}

وقد تقدم هذا في البقرة مستوفًى{[51474]} .

قوله : { وأملى لَهُمْ } العامة على أملي مبنياً للفاعل وهو ضمير الشيطان . وقيل : هو للباري تَعَالى . قال أبو البقاء : على الأول : يكون معطوفاً على الخبر . وعلى الثاني : يكون مستأنفاً{[51475]} . ولا يلزم ماقاله بل هو معطوف على الخبر في كلا التقديرين أخبر عنهم بهَذَا وبهَذَا .

وقرأ أبو عمرو في آخرين أُمْلِيَ{[51476]} مبنياً للمفعول . والقائم مقام الفاعل الجار .

وقيل : القائم مقامه ضمير الشيطان ذكره أبو البقاء{[51477]} . وقرأ يعقوبُ وسلاَّمٌ ومجاهد وأُمْلِي بضم الهمزة وكسر اللام وسكون الياء فاحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مضارعاً مسنداً لضمير المتكلم أي وأملي{[51478]} أنا لهم ، وأن يكون ماضياً كقراءة أبي عمرو سكنت ياؤه تخفيفاً{[51479]} وقد مضى منه جملة .

فصل

قال المفسرون : سَوَّلَ لَهُمْ سَهَّل لهم . وأَمْلَى لهم أي مد لهم فِي الأمل يعني قالوا : نعيش أياماً ثم نؤمن به وهو معنى قوله : { وأملى لَهُمْ } .

فإن قيل : الإِملاء والإِمهال وَحَدُّ الآجال لا يكون إِلا من الله فكيف يصح قراءة من قرأ : وأملى لهم فإن المملي حينئذ هو الشيطان ؟ .

قال الخطيب : فالجواب من وجهين :

أحدهما : يجوز أن يكون المراد " وأملي لهم الله " فيقف{[51480]} على : " سول لهم " .

وثانيهما : هو أن المسوِّل أيضاً ليس هو الشيطان وإنما أسند إليه من حيث إن الله قدر على يده ولسانه ذلك ، فكذلك الشيطان يمسهم{[51481]} ويقول لهم : في آجالكم فَسْحَةٌ فتمتعوا برئاستكم ثم في آخر العمر تؤمنون{[51482]} .


[51468]:القرطبي 16/249.
[51469]:نقله التبيان 1163.
[51470]:الكشاف 3/537.
[51471]:سبق التعريف به.
[51472]:وهي قراءة نافع وابن عامر. انظر البحر 8/232 والكشاف 4/156 وهي متواترة وهي لغة قريش أو على لغة من قال: سلت أسال. وقد حكاها سيبويه. ويجوز أن تكون على قلب الهمزة ألفا على غير قياس، وإنما القياس بين بين انظر الكشاف والبحر السابق.
[51473]:من البسيط لحسان ـ رضي الله عنه ـ والشاهد: سالت أي سألت حيث فيه ما فيه مما ذكرت أعلى. وقد تقدم.
[51474]:في قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} من الآية 211. ولم يزد على ما قاله كل من أبي حيان والزمخشري السابقين.
[51475]:التبيان 1163.
[51476]:وهي قراءة متواترة انظر الكشف لمكي 2/277.
[51477]:التبيان المرجع السابق.
[51478]:أي أنظر أنا كقوله: "إنما نملي لهم".
[51479]:وهذه القراءة شاذة وانظر هذا في البحر لابن حيان 8/83.
[51480]:أي القارئ.
[51481]:في الرازي: يمليهم، وهو الأقرب للمعنى المتحدث فيه.
[51482]:وانظر تفسير الإمام الفخر الرازي 28/66.