البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

{ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى } قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود ، وكانوا عرفوا أمر الرسول من التوراة ، وتبين لهم بهذا الوجه ؛ فلما باشروا أمره حسدوه ، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى .

وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ، ثم ماتت قلوبهم .

والآية تتناول كل من دخل في ضمن لفظها .

وتقدم الكلام على { سوّل } في سورة يوسف .

وقال الزمخشري : سول لهم ركوب العظائم ، من السول ، وهو الاسترخاء ، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً . انتهى .

وقال أبو علي الفارسي : بمعنى ولا هم من السول ، وهو الاسترخاء والتدلي .

وقال غيره : سولهم : رجاهم .

وقال ابن بحر : أعطاهم سؤلهم .

وقول الزمخشري ، وقد اشتقه إلى آخره ، ليس بجيد ، لأنه توهم أن السول أصله الهمزة .

واختلفت المادتان ، أو عين سول واو ، وعين السؤل همزة ؛ والسول له مادتان : إحداهما الهمز ، من سأل يسأل ؛ والثانية الواو ، من سال يسال .

فإذا كان هكذا ، فسول يجوز أن يكون من ذوات الهمز .

وقال صاحب اللوامح : والتسويل أصله من الإرخاء ، ومنه : { فدلاهما بغرور } والسول : استرخاء البطن .

وقرأ زيد بن علي : { سول لهم } : أي كيده على تقدير حذف مضاف .

وقرأ الجمهور : { وأملى لهم } مبنياً للفاعل ، والظاهر أنه يعود على الشيطان ، وقاله الحسن ، وجعل وعده الكاذب بالبقاء ، كالإبقاء .

والإبقاء هو البقاء ملاوة من الدهر يمد لهم في الآمال والأماني .

قيل : ويحتمل أن يكون فاعل أملى ضميراً يعود على الله ، وهو الأرجح ، لأن حقيقة الإملاء إنما هو من الله .

وقرأ ابن سيرين ، والجحدري ، وشيبة ، وأبو عمرو ، وعيسى : وأملى مبنياً للمفعول ، أي امهلوا ومدوا في عمرهم .

وقرأ مجاهد ، وابن هرمز ، والأعمش ، وسلام ، ويعقوب : وأملي بهمزة المتكلم مضارع أملى ، أي وأنا أنظرهم ، كقوله : { إنما نملي لهم } ويجوز أن يكون ماضياً سكنت منه الياء ، كما تقول في يعي بسكون الياء .