إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

{ إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم } أي رجعُوا إلى ما كانُوا عليهِ من الكفرِ وهم المنافقونَ الذين وُصفوا فيما سلفَ بمرضِ القلوبِ وغيرهِ من قبائحِ الأفعالِ والأحوالِ فإنَّهم قد كفرُوا به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى } بالدلائلِ الظاهرةِ والمعجزاتِ القاهرةِ ، وقيل هم اليهودُ وقيل أهلُ الكتابينِ جميعاً كفرُوا به عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ بعدما وجدُوا نعتَهُ في كتابِهم وعرفُوا أنه المبعوثُ بذلكَ . وقولُه تعالى : { الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ ، وقعتْ خبراً لإنَّ أي سهَّلَ لهم ركوبَ العظائمِ من السَّولِ وهو الاسترخاءِ ، وقيلَ من السُّوْلِ المخففِ من السُّؤلِ لاستمرارِ القلبِ فمعنى سوَّلَ له أمراً حينئذٍ أوقعه في أمنيته فإن السُّؤل الأمنية . وقرئ سُوِّل مبنياً للمفعولِ على حذفِ المضافِ أن كيدَ الشيطانِ . { وأملى لَهُمْ } ومَدَّ لهم في الأمانِيِّ والآمالِ ، وقيلَ أمهلهُم الله تعالى ولم يُعاجلْهم بالعقوبةِ . وقُرِئ وأُمْلِي لَهُم على صيغةِ المتكلمِ فالمعنى أي الشيطانُ يُغويهم وأنا أُنْظِرُهم فالواوُ للحالِ أو للاستئنافِ . وقُرِئ أُمْلِيَ لهُم على البناءِ للمفعولِ أي أُمْهِلُوا ومُدَّ في عمرِهم .