الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

قوله : { الشَّيْطَانُ سَوَّلَ } : هذه الجملةُ خبرُ { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ } . وقد تقدَّم الكلامُ على " سَوَّل " معنًى واشتقاقاً . وقال الزمخشري هنا : " وقد اشتقَّه من السُّؤْل مَنْ لا عِلْمَ له بالتصريفِ والاشتقاقِ جميعاً " كأنَّه يُشير إلى ما قاله ابن بحر : مِنْ أنَّ المعنى : أعطاهم سُؤْلَهم . ووجهُ الغلطِ فيه أنَّ مادةَ السُّؤْلِ من السؤال بالهمز ، ومادةَ هذا بالواوِ فافترقا ، فلو كان على ما قيل لقيل : سَأَّل بتشديد الهمزة لا بالواو . وفيما قاله الزمخشريُّ نَظَرٌ ؛ لأن السؤالَ له مادتان : سَأَل بالهمز ، وسال بالألفِ المنقلبةِ عن واوٍ ، وعليه قراءةُ " سال سايل " وقوله :

4067 سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحِشةً *** ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ وقد تقدَّم هذا في البقرةِ مُسْتوفى .

قوله : " وأَمْلَى " العامَّةُ على " أَمْلَى " مبنياً للفاعل ، وهو ضمير الشيطان . وقيل : هو للباري تعالَى . قال أبو البقاء : " على الأول يكونُ معطوفاً على الخبر ، وعلى الثاني يكونُ مُسْتأنفاً " . ولا يَلْزَمُ ما قاله بل هو معطوفٌ على الخبر في كلا التقديرَيْن ، أخبر عنهم بهذا وبهذا . وقرأ أبو عمروٍ في آخرين " أُمْلِيَ " مبنياً للمفعول ، والقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ . وقيل : القائم مَقامَه ضميرُ الشيطان ، ذكره أبو البقاء ، ولا معنى لذلك . وقرأ يَعْقُوبُ وسلام ومجاهد/ " وأُمْلِيْ " بضمِ الهمزةِ وكسرِ اللام وسكونِ الياءِ . فاحتملَتْ وجهَيْن ، أحدُهما : أَنْ يكونَ مضارعاً مُسْنداً لضمير المتكلم أي : وأُمْلِي أنا لهم ، وأَنْ يكونَ ماضياً كقراءة أبي عمروٍ سُكِّنَتْ ياؤه تخفيفاً . وقد مضى منه جملةٌ .