قوله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس } الطاهر من كل عيب ، المنزه عما لا يليق به ، { السلام } الذي سلم من النقائص ، { المؤمن } قال ابن عباس : هو الذي أمن الناس من ظلمه وأمن من آمن به من عذابه ، هو من الأمان الذي هو ضد التخويف كما قال : { وآمنهم من خوف }( قريش- 4 ) وقيل : معناه المصدق لرسله بإظهار المعجزات ، والمصدق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب ، وللكافرين بما أوعدهم من العقاب . { المهيمن } الشهيد على عباده بأعمالهم ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل : هيمن فهو مهيمن ، إذا كان رقيباً على الشيء ، وقيل : هو في الأصل مؤيمن قلبت الهمزة هاء ، كقولهم : أرقت وهرقت ، ومعناه ، المؤمن . وقال الحسن : الأمين . وقال الخليل : هو الرقيب الحافظ . وقال ابن زيد : المصدق . وقال سعيد بن المسيب ، والضحاك : القاضي . وقال ابن كيسان : هو اسم من أسماء الله تعالى في الكتب والله أعلم بتأويله . { العزيز الجبار } قال ابن عباس : الجبار هو العظيم ، وجبروت الله عظمته ، وهو على هذا القول صفة ذات لله ، وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت الكسر ، والأمر ، وجبرت العظم إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو يغني الفقير ويصلح الكسير . وقال السدي ومقاتل : هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراد . وسئل بعضهم عن معنى الجبار فقال : هو القهار الذي إذا أراد أمراً فعله لا يحجزه عنه حاجز . { المتكبر } الذي تكبر عن كل سوء . وقيل : المتعظم عما لا يليق به . وأصل الكبر ، والكبرياء : الامتناع . وقيل : ذو الكبرياء ، وهو الملك .
{ هُوَ الله الذى لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجَبّارُ المتُتَكَبِرُّ } .
القول في ضمير { هو } كالقول في نظيره في الجملة الأولى . وهذا تكرير للاستئناف لأن المقام مقام تعظيم وهو من مقامات التكرير ، وفيه اهتمام بصفة الوحدانية .
و { الملك } : الحاكِم في الناس ، ولا مَلِك على الإِطلاق إلاّ الله تعالى وأما وصف غيره بالمَلِك فهو بالإِضافة إلى طائفة معيَّنة من الناس . وعُقب وصفا الرحمة بوصف { الملك } للإِشارة إلى أن رحمته فضل وأنه مطلق التصرف كما وقع في سورة الفاتحة .
و { القدوس } بضم القاف في الأفصح ، وقد تفتح القاف قال ابن جنّي : فَعُّول في الصفة قليل ، وإنما هو في الأسماء مثل تَنُّور وسَفُّود وعَبُّود . وذكر سيبويه السَّبُّوح والقَدوس بالفتح ، وقال ثعلب : لم يَرد فَعُّول بضم أوله إلا القُدوس والسُّبوح . وزاد غيره الذُّرُّوح ، وهو ذُباب أحمر متقطع الحمرة بسواد يشبه الزنبور . ويسمى في اصطلاح الأطباء ذباب الهند . وما عداهما مفتوح مثل سَفُّود وكَلُّوب . وتَنُّور وسَمُّور وشَبُّوط ( صنف من الحوت ) وكأنه يريد أن سبوح وقدوس صارا اسمين .
وعقب ب { القدوس } وصف { الملك } للاحتراس إشارة إلى أنه مُنزه عن نقائص الملوك المعروفة من الغرور ، والاسترسال في الشهوات ونحو ذلك من نقائص النفوس .
و { السلام } مصدر بمعنى المسالَمَة وُصف الله تعالى به على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة في الوصف ، أي ذو السلام ، أي السلامة ، وهي أنه تعالى سالَمَ الخلقَ من الظلم والجور . وفي الحديث « إن الله هو السلام ومنه السّلام » وبهذا ظهر تعقيب وصف { الملك } بوصف { السلام } فإنه بعد أن عُقب ب { القدوس } للدلالة على نزاهة ذاته ، عُقب ب { السلام } للدلالة على العدل في معاملته الخلق ، وهذا احتراس أيضاً .
و { المؤمن } اسم فاعل من آمن الذي همزته للتعدية ، أي جعل غيره آمناً .
فالله هو الذي جعل الأمان في غالب أحوال الموجودات ، إذ خلق نظام المخلوقات بعيداً عن الأخطار والمصائب ، وإنما تَعْرِض للمخلوقات للمصائب بعوارض تتركب من تقارن أو تضاد أو تعارض مصالح ، فيرجَع أقواها ويَدحض أدناها ، وقد تأتي من جرّاء أفعال الناس .
وذكر وصف { المؤمن } عقب الأوصاف التي قبله إتمام للاحتراس من توهّم وصفه تعالى ب { الملك } أنه كالملوك المعروفين بالنقائص . فأفيد أولاً نزاهة ذاته بوصف { القدوس } ، ونزاهة تصرفاته المغيَّبة عن الغدر والكَيد بوصف { المؤمن } ، ونزاهةُ تصرفاته الظاهرةِ عن الجور والظلم بوصف { السلام } .
و{ المهيمن } : الرقيب بلغة قريش ، والحافظ في لغة بقية العرب .
واختلف في اشتقاقه فقيل : مشتق من أمَنَ الداخل عليه همزة التعدية فصار آمَن وأن وزن الوصفِ مُؤَيْمِن قلبت همزته هاء ، ولعل موجب القلب إرادة نقله من الوصف إلى الاسمية بقطع النظر عن معنى الأمن ، بحيث صار كالاسم الجامد . وصار معناه : رقب : ( ألا ترى أنه لم يبق فيه معنى إلا من الذين في المؤمن لمّا صار اسماً للرقيب والشاهد ) ، وهو قلب نادر مثل قلب همزة : أراق إلى الهاء فقالوا : هَراق ، وقد وضعه الجوهري في فصل الهمزة من باب النون ووزنه مفَعْلِل اسم فاعل من آمن مثل مُدحرج ، فتصريفه مُؤَأْمِن بهمزتين بعد الميم الأولى المزيدة ، فأبدلت الهمزة الأولى هاء كما أبدلت همزة آراق فقالوا : هراق .
وقيل : أصله هَيْمن بمعنى : رَقب ، كذا في « لسان العرب » وعليه فالهاء أصلية ووزنه مُفَيْعل . وذَكره صاحب « القاموس » في فصل الهاء من باب النون ولم يذكره في فصل الهمزة منه . وذكره الجوهري في فصل الهمزة وفصل الهاء من باب النون مصرحاً بأن هاءه أصلها همزة . وعدل الراغب وصاحب « الأساس » عن ذكر . وذلك يشعر بأنهما يريان هاءه مبدلة من الهمزة وأنه مندرج في معاني الأمن .
وفي « المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى » للغزالي { المهيمن } في حق الله : القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم ، وإنما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه . والإِشرافُ ، ( أي الذي هو الإطلاع ) يرجع إلى العلم ، والاستيلاءُ يرجع إلى كمال القدرة ، والحفظُ يرجع إلى الفعل . والجامعُ بين هذه المعاني اسمه { المهيمن } ولن يجتمع عَلَى ذلك الكمال والإِطلاقِ إلا الله تعالى ، ولذلك قيل : إنه من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة اهـ . وفي هذا التعريف بهذا التفصيل نظر ولعله جرى من حجة الإِسلام مجرى الاعتبار بالصفة لا تفسير مدلولها .
وتعقيب { المؤمن } ب { المهيمن } لدفع توهم أن تأمينه عن ضعف أو عن مخافة غيره ، فأُعلموا أن تأمينه لحكمته مع أنه رقيب مطلع على أحوال خلقه فتأمينه إياهم رحمة بهم .
و { العزيز } الذي لا يُغلب ولا يُذلّه أحد ، ولذلك فسر بالغالب .
و { الجبار } : القاهر المُكرِه غيره على الانفعال بفعله ، فالله جبار كل مخلوق على الانفعال لما كوّنه عليه لا يستطيع مخلوق اجتياز ما حدّه له في خلقته فلا يستطيع الإِنسان الطيران ولا يستطيع ذوات الأربع المشي على رجلين فقط ، وكذلك هو جبّار للموجودات على قبول ما أراده بها وما تعلقت به قدرته عليها .
وإذا وصف الإِنسان بالجبار كان وصف ذمّ لأنه يشعر بأنه يحمل غيره على هواه ولذلك قال تعالى : { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } [ القصص : 19 ] . فالجبار من أمثلة المبالغة لأنه مشتق من أجبره ، وأمثلة المبالغة تشتق من المزيد بقلة مثل الحكيم بمعنى المحكم . قال الفراء : لم أسمع فَعَّالاً في أفعَلَ إلا جبّاراً ودَرَّاكاً . وكان القياس أن يقال : المجبر والمُدرك ، وقيل : الجبار معناه المصلح من جبر الكَسر ، إذَا أصلحه ، فاشتقاقه لا نذرة فيه .
و { المتكبر } : الشديد الكبرياء ، أي العظمة والجلالة . وأصل صيغة التفعل أن تدل على التكلف لكنها استعملت هنا في لازم التكلف وهو القوة لأن الفعل الصادر عن تأنق وتكلف يكون أتقن .
ويقال : فلان يتظلم على الناس ، أي يكثر ظلمهم .
ووجه ذكر هذه الصفات الثلاث عقب صفة { المهيمن } أن جميع ما ذكره آنفاً من الصفات لا يؤذن إلا باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم وإصلاح أمورهم وأن صفة { المهيمن } تؤذن بأمر مشترك فعقبت بصفة { العزيز } ليعلم الناس أن الله غالب لا يعجزه شيء . وأتبعت بصفة { الجبار } الدالة على أنّه مسخر المخلوقات لإِرادته ثم صفة { المتكبر } الدالة على أنه ذو الكبرياء يصغر كل شيء دون كبريائه فكانت هذه الصفات في جانب التخويف كما كانت الصفات قبلها في جانب الإِطماع .
{ سبحان الله عَمَّا يشركون } .
ذيلت هذه الصفات بتنزيه الله تعالى عن أن يكون له شركاء بأن أشرك به المشركون . فضمير { يشركون } عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون الذين لم يزل القرآن يقرعهم بالمواعظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.