النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس } في { القدوس } أربعة أوجه :

أحدها : أنه المبارك ، قاله قتادة ، ومنه قول رؤبة :

دعوت رب العزة القدوسا *** دعاء من لا يقرع الناقوسا

الثاني : أنه الطاهر ، قاله وهب ، ومنه قول الراجز{[2951]} :

قد علم القدوس مولى القدوس . ***

الثالث : أنه اسم مشتق من تقديس الملائكة ، قاله ابن جريج ، وقد روي أن من تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح .

الرابع : معناه المنزه عن القبائح لاشتقاقه من تقديس الملائكة بالتسبيح فصار معناهما واحدا .

وأما { السلام } فهو من أسمائه تعالى كالقدوس ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه مأخوذ من سلامته وبقائه ، فإذا وصف المخلوق بمثله قيل سالم وهو في صفة الله سلام ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

سلامك ربنا في كل فجر *** بريئاً ما تعنتك الذموم{[2952]}

الثاني : أنه مأخوذ من سلامة عباده من ظلمه ، قاله ابن عباس .

[ وفي{[2953]} { المؤمن } ثلاثة أوجه :

أحدها : الذي يؤمن أولياءه من عذابه ] .

الثاني : أنه مصدق خلقه في وعده ، وهو معنى قول ابن زيد .

الثالث : أنه الداعي إلى الإيمان ، قاله ابن بحر .

وأما { المهيمن } فهو من أسمائه أيضاً ، وفيه خمسة أوجه :

أحدها : معناه الشاهد على خلقه بأعمالهم ، وعلى نفسه بثوابهم ، قاله قتادة ، والمفضل ، وأنشد قول الشاعر :

شهيد عليَّ الله أني أحبها *** كفى شاهداً رب العباد المهيمن

والثاني : معناه الأمين ، قاله الضحاك .

الثالث : المصدق ، قاله ابن زيد .

الرابع : أنه الحافظ ، حكاه ابن كامل ، وروي أن عمر بن الخطاب قال : إني داع فهيمنوا ، أي قولوا آمين حفظنا الدعاء ، لما{[2954]} يرجى من الإجابة .

الخامس : الرحيم ، حكاه ابن تغلب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت :

مليك على عرش السمآء مهيمن *** لعزته تعنو الوجوه وتسجد

{ العزيز } هو القاهر ، وفيه وجهان :

أحدهما : العزيز في امتناعه .

الثاني : في انتقامه .

{ الجبار } فيه أربعة أوجه :

أحدها : معناه العالي العظيم الشأن في القدرة والسلطان .

الثاني : الذي جبر خلقه على ما شاء ، قاله أبو هريرة ، والحسن ، وقتادة .

الثالث : أنه الذي يجبر فاقة عباده ، قاله واصل بن عطاء .

الرابع : أنه الذي يذل له من دونه .

{ المتكبر } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : المتكبر عن السيئات ، قاله قتادة .

الثاني : المستحق لصفات الكبر ، والتعظيم ، والتكبر في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقين ذم .

الثالث : المتكبر عن ظلم عباده .


[2951]:هو رؤبة بن العجاج كما ورد في اللسان- قدس. وجاء بعده. أن أبا العباس أولى نفس بمعدن الملك القديم الكرسي أراد أنه أحق نفس بالخلافة.
[2952]:أي لا تلصق بك العيوب.
[2953]:في الأصل سقوط هنا. وما بين المربعين اقتضى بعضه السياق والآخر من القرطبي.
[2954]:هكذا في الأصل. وقد أورد اللسان هذا الخبر، وفسر هيمنوا بمعنى آمنوا، قلب أحد حرفي التشديد في آمنوا ياء فصار أيمنوا ثم قلب الهمزة هاء، وإحدى الميمين ياء فقال: هيمنوا قال ابن الأثير أي اشهدوا.