فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

{ هو الله الذي لا إله إلا هو } كرره للتأكيد والتقرير لكون التوحيد حقيقا بذلك ، { الملك } الذي لا يزول ملكه المتصرف بالأمر والنهي في جميع خلقه ، المالك لهم فهم تحت ملكه وقهره وإرادته ، { القدوس } أي الطاهر من كل عيب المنزه عن كل نقص ، وقيل : هو الذي كثرت بركته ، والقدس بالتحريك في لغة أهل الحجاز السطل لأنه يتطهر به ، ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء ، وقرأ الجمهور القدوس بضم القاف ، وقرئ بفتحها ، وكان سيبويه يقول : سبوح قدوس بفتح أولهما ، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يقرأ القدوس بفتح القاف قال ثعلب : كل اسم على مفعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس ، فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان .

{ السلام } قال ابن العربي . اتفق العلماء على أن معنى قولنا في الله السلام النسبة ، تقديره : ذو السلامة ، ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :

الأول : معناه الذي سلم من كل عيب وبريء من كل نقص .

الثاني : معناه ذو السلام أي المسلم على عباده في الجنة ، كما قال : { سلام قولا من رب رحيم } .

الثالث : أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه ، وهذا قول الخطابي ، وبه قال الأكثر وعليه والذي قبله يكون صفة فعل وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات وقيل : السلام معناه المسلم لعباده وهو مصدر وصف به للمبالغة .

{ المؤمن } أي الذي وهب لعباده الأمن من عذابه وقيل : المصدق لرسوله بإظهار المعجزات وقيل : المصدق للمؤمنين بما وعدهم به من الثواب والمصدق للكافرين بما أوعدهم به من العذاب وقيل : المؤمن الذي يأمن أولياؤه من عذابه ويأمن عباده من ظلمه يقال آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف كما قال تعالى : { وآمنهم من خوف } فهو مؤمن وقال مجاهد : المؤمن الذي وجد نفسه بقوله : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } قرأ الجمهور المؤمن بكسر الميم اسم فاعل من آمن بمعنى أمن ، وقرئ بفتحها بمعنى المؤمن به على الحذف كقوله : { واختار موسى قومه } ، وقال أبو حاتم : لا تجوز هذه القراءة لأن معناه أنه كان خائفا فأمنه غيره .

{ المهيمن } من هيمن يهيمن إذا كان رقيبا على الشيء ، أي الشهيد على عباده بأعمالهم الرقيب عليهم ، كذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل ، قال الواحدي : وذهب كثير من المفسرين إلى أن أصله مؤيمن من آمن يؤمن فيكون بمعنى المؤمن ، والأول أولى ، وقيل : القائم على خلقه برزقه ، وقيل : هو الرقيب الحافظ ، وقيل : هو المصدق ، وقيل : هو القاضي ، وقيل : هو الأمين والمؤيمن ، وقيل . هو العلي ، وقيل : اسم من أسماء الله وهو أعلم بتأويله ، وقد قدمنا الكلام على المهيمن في سورة المائدة .

{ العزيز } الذي لا يوجد له نظير ، وقيل : القاهر . وقيل : الغالب غير المغلوب ، وقيل : القوي .

{ الجبار } جبروت الله عظمته ، فعلى هذا هو صفة ذات ، والعرب تسمي الملك الجبار ، ويجوز أن يكون من جبر إذا أغنى الفقير ، وأصلح الكسير ، وعلى هذا هو صفة فعل أو من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراد ، فهو الذي جبر خلقه على ما أراد منهم ، وبه قال السدي ومقاتل واختاره الزجاج والفراء قال : هو من أجبره على الأمر أي قهره ، قال : ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار من اجبر ، ودراك من أدرك ، قلت : وإنه يستعمل ثلاثيا أيضا ، وقيل : الجبار الذي لا تطاق سطوته ، وقيل : هو القهار الذي إذا أراد أمرا فعله لا يحجزه عنه حاجز ، وقيل : الجبار هو الذي لا ينال ولا يدانى ، والجبر قفي صفة الله مدح ، وفي صفة الناس ذم .

{ المتكبر } أي الذي تكبر عن كل نقص ، وتعظم عما لا يليق به وأصل التكبر الامتناع وعدم الانقياد والكبر في صفات الله مدح لأن له جميع صفات العلو والعظمة والعز والكبرياء فإن أظهر ذلك كان ذلك ضم كمال إلى كمال وفي صفات العلو والعظمة والعز والكبرياء فإن أظهر ذلك كان ذلك ضم كمال إلى كمال وصفات المخلوقين ذم لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر وذلك نقص في حقه لأنه ليس له كبر ولا علو بل له الحقارة والذلة فإذا أظهر الكذب كان كاذبا في فعله فكان مذموما في حق الناس قال قتادة : هو الذي تكبر عن كل سوء قال ابن الأنباري : المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك .

وقيل : هو الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله وقيل هو المتعظم عما لا يليق بجلاله وجماله وقيل : هو المتكبر عن ظلم عباده .

ثم نزه سبحانه نفسه الكريمة عن شرك المشركين فقال :{ سبحانه الله عما يشركون } أي عما يشركونه أو عن إشراكهم به .