فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

{ هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ } كرره للتأكيد والتقرير لكون التوحيد حقيقاً بذلك { الملك القدوس } أي الطاهر من كل عيب ، المنزّه عن كل نقص ، والقدس بالتحريك في لغة أهل الحجاز : السطل ، لأنه يتطهر به ، ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء . قرأ الجمهور : { القدّوس } بضم القاف . وقرأ أبو ذرّ وأبو السماك بفتحها ، وكان سيبويه يقول : سبوح قدّوس بفتح أوّلهما ، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابياً فصيحاً يقرأ : { القدّوس } بفتح القاف . قال ثعلب : كل اسم على فعول فهو مفتوح الأوّل إلاّ السبوح والقدّوس ، فإن الضم فيهما أكثر ، وقد يفتحان { السلام } أي الذي سلم من كل نقص وعيب ، وقيل : المسلم على عباده في الجنة ، كما قال : { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] وقيل : الذي سلم الخلق من ظلمه ، وبه قال الأكثر ، وقيل : المسلم لعباده ، وهو مصدر وصف به للمبالغة { المؤمن } أي الذي وهب لعباده الأمن من عذابه ، وقيل : المصدّق لرسله بإظهار المعجزات ، وقيل : المصدّق للمؤمنين بما وعدهم به من الثواب ، والمصدّق للكافرين بما أوعدهم به من العذاب ، يقال : أمنه من الأمن وهو ضدّ الخوف ، ومنه قول النابغة :

والمؤمن العائذات الطير يمسحها *** ركبان مكة بين الغيل والسند

وقال مجاهد : المؤمن الذي وجد نفسه بقوله : { شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] . قرأ الجمهور : { المؤمن } بكسر الميم اسم فاعل من آمن بمعنى : أمن . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بفتحها بمعنى : المؤمن به على الحذف كقوله : { واختار موسى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] وقال أبو حاتم : لا تجوز هذه القراءة لأن معناه أنه كان خائفاً فأمنه غيره { المهيمن } أي الشهيد على عباده بأعمالهم الرقيب عليهم . كذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل . يقال : هيمن يهيمن فهو مهيمن : إذا كان رقيباً على الشيء . قال الواحدي : وذهب كثير من المفسرين إلى أن أصله مؤيمن من آمن يؤمن ، فيكون بمعنى المؤمن ، والأوّل أولى ، وقد قدّمنا الكلام على المهيمن في سورة المائدة { العزيز } الذي لا يوجد له نظير ، وقيل : القاهر ، وقيل : الغالب غير المغلوب ، وقيل : القويّ { الجبار } جبروت الله : عظمته ، والعرب تسمي الملك الجبار ، ويجوز أن يكون من جبر : إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير ، ويجوز أن يكون من جبره على كذا : إذا أكرهه على ما أراد ، فهو الذي جبر خلقه على ما أراد منهم ، وبه قال السديّ ومقاتل واختاره الزجاج والفراء ، قال : هو من أجبره على الأمر : أي قهره . قال : ولم أسمع فعالاً من أفعل إلاّ في جبار من أجبر ، ودرّاك من أدرك ، وقيل : الجبار : الذي لا تطاق سطوته { المتكبر } أي الذي تكبر عن كل نقص وتعظم عما لا يليق به ، وأصل التكبر : الامتناع وعدم الانقياد ، ومنه قول حميد بن ثور :

عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت *** بها كبرياء الصعب وهي ذلول

والكبر في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقين ذمّ . قال قتادة : هو الذي تكبر عن كل سوء . قال ابن الأنباري : المتكبر ذو الكبرياء ، وهو الملك ، ثم نزه سبحانه نفسه عن شرك المشركين ، فقال : { سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي عما يشركونه ، أو عن إشراكهم به .

/خ24