قوله تعالى : { ودخل المدينة } يعني : دخل موسى المدينة . قال السدي : هي مدينة منف من أرض مصر . وقال مقاتل : كانت قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر . وقيل : مدينة عين الشمس ، { على حين غفلة من أهلها } وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة . وقال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء . واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت ، قال السدي : وذلك أن موسى عليه السلام كان يسمى ابن فرعون ، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه ، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها نصف النهار ، وليس في طرفها أحد فذلك قوله عز وجل : { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } . قال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به ، فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه ، فخالفهم في دينهم حتى ذكر منه وخافوه وخافهم ، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً ، فدخلها يوماً على حين غفلة من أهلها . وقال ابن زيد : لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره ، فأراد فرعون قتله ، قالت امرأته : هو صغير ، فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته ، فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ، يعني : عن ذكر موسى ، أي : من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم . وروي عن علي في قوله : { حين غفلة } قال كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم . { فوجد فيها رجلين يقتتلان } يختصمان ويتنازعان ، { هذا من شيعته } من بني إسرائيل ، { وهذا من عدوه } من القبط ، قيل : الذي كان من شيعته السامري ، والذي من عدوه من القبط ، قيل : طباخ فرعون اسمه فاتون . وقيل : هذا من شيعته . وهذا من عدوه أي : هذا مؤمن وهذا كافر : وكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع ، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى ، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم ، فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون ، { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، والاستغاثة : طلب الغوث ، فغضب موسى واشتد غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ، ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى ، فقال للفرعوني : خل سبيله ، فقال : إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك ، فنازعه ، فقال الفرعوني : لقد هممت أن أحمله عليك ، وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش ، { فوكزه موسى } وقرأ ابن مسعود : فلكزه موسى ، ومعناهما واحد ، وهو الضرب بجميع الكف . وقيل : الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر . وقال الفراء : معناهما واحد ، وهو الدفع ، قال أبو عبيدة : الوكز الدفع بأطراف الأصابع ، وفي بعض التفاسير : عقد موسى ثلاثاً وثمانين وضربه في صدره ، { فقضى عليه } أي : فقتله وفرغ من أمره ، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ، فندم موسى عليه السلام ، ولم يكن قصده القتل ، فدفنه في الرمل ، { قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } أي : بين الضلالة .
واختلف المتأولون في قوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } فقال السدي : كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون ، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة ، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة ، وقال ابن إسحاق بل { المدينة } مصر نفسها ، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس ، وقال ابن زيد : بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به ، وقيل كان يوم عيد ، وقوله تعالى : { يقتتلان } في موضع الحال أي مقتتلين ، و { شيعته } بنو إسرائيل ، و { عدوه } القبط ، وذكر الأخفش سعيد بن مسعدة{[9122]} أنها «فاستعانه » بالعين غير معجمة{[9123]} وبالنون وهي تصحيف لا قراءة{[9124]} ، وذكر الثعلبي أن الذي { من شيعته } هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون ، وقوله { هذا } { وهذا } حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب { هذا } عن غائب ماض ، «والوكز » الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين ، وقرأ ابن مسعود «فلكزه » والمعنى واحد ، إلا أن اللكز في اللحا ، والوكز على القلب ، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود «فنكزه » بالنون المعنى واحد ، «وقضى عليه » ، معناه قتله مجهزاً ، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده ، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه ، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله{[9125]} وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.