الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

قوله : { عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ } : في موضع الحال [ إمَّا ] من الفاعل : كائناً على حين غَفْلَةٍ ِأي : مُسْتَخْفِياً ، وإمَّا من المفعول . وقرأ أبو طالبٍ القارىء " على حينَ " بفتح النون . وتكلَّف الشيخُ تخريجَها على أنه حَمَلَ المصدرَ على الفعل في أنه إذا أضيف الظرفُ إليه جاز بناؤه على الفتح كقوله :

على حينَ عاتَبْتُ المشيب على الصِّبا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

و " مِنْ أهلِها " صفةٌ ل " غَفْلَة " أي : صادرةٍ من أهلها .

قوله : { يَقْتَتِلاَنِ } صفةٌ ل " رجلين " . وقال ابن عطية : " حال منهما " وسيبويه وإنْ كان جَوَّزَها مِن النكرةُطْلقاً . إلاَّ أنَّ غيرَه وهم الأكثرون يَشْتَرِطون فيها ما يُسَوِّغُ الابتداءَ بها ، وقرأ نعيم بن ميسرة " يَقَتِّلان " بالإِدغام نَقَلَ فتحَة التاءِ الأولى إلى القافِ وأدغمَ .

قوله : { هَذَا مِن شِيعَتِهِ } مبتدأٌ وخبرٌ في موضعِ الصفةِ ل " رجلين " أو الحالِ من الضمير في " يَقْتَتِلان " وهو بعيدٌ لعدمِ انتقالها .

وقوله : " هذا ، وهذا " على حكايةِ الحالِ الماضيةِ فكأنهما حاضران . وقال المبردُ : " العربُ تُشير ب هذا إلى الغائب وأنشد الجرير :

هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةً *** لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا

قوله : { فَاسْتَغَاثَهُ } هذه قراءةُ العامَّةِ ، من الغَوْثِ أي : طَلَبَ غَوْثَه ونَصْرَه . وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة ، والنون ، من الإِعانة . قال ابنُ عطية : " هي تصحيفٌ " . وقال ابن جبارة صاحب " الكامل " : " الاختيارُ قراءةُ ابنِ مقسم ؛ لأنَّ الإِعانة أَوْلَى في هذا البابِ " . قلت : نسبةُ التصحيفِ إلى هؤلاء غيرُ محمودةٍ ، كما أن تَعالِيَ الهُذَليِّ في اختيارِ الشاذِّ غيرُ محمودٍ .

قوله : { فَوَكَزَهُ } أي : دَفَعَه بجميع كَفَّه . والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ : أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل : بالعكسِ . والنَّكْزُ كاللَّكْزِ . قال :

يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي *** لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ

وقرأ ابنُ مسعود " فَلَكَزه " و " فَنَكَزَه " باللام والنونِ .

قوله : { فَقَضَى } أي : موسى ، أو الله تعالى ، أو ضميرُ الفعلِ ِأي : الوَكْزُ

قوله : { مِنْ عَمَلِ } : مِنْ وَسْوَسَتِه وتَسْوِيْلِه والإِشارةُ إلى القَتْلِ الصادرِ منه .